د.عادل عبدالسلام (لاش) – التاريخ السوري المعاصر
التطور الديموغرافي لشراكسة سورية بين 1878 و2017
كثيراً ما طرحت علي في السنوات الأخيرة استفسارات عن أعداد الشراكسة في سورية، وتطورهم السكاني، منذ استقبالها لهم مهجَّرين إليها، حتى اندماجهم وأ صبحوا مواطنين سوريين يعملون على بناء وطنهم الجديد بإخلاص وتضحية جنباً إلى جنب مع أهله التُّناء.
لاتوجد عملياً إحصاءات رسمية ولا تعدادات سكانية نظامية موثقة لشراكسة المهاجر (الشتات الشركسي)، منذ احتلال أوطانهم في ستينات القرن التاسع عشر حتى تاريخ كتابة هذه الكلمات. وكل ما لدينا في هذا الشأن هي أرقام تقديرية وتخمينات فردية من قبل مهتمين شركس وأجانب، أو من قبل مؤسسات رسمية في دول الشتات لديها أرقام تقديرية وضعتها لأغراض معينة تهم الجهات الرسمية أو الأمنية وغيرها، وهي وأمثالها أرقام تفتقر إلى المصداقية العلمية المعروفة في علم السكان. والأمر بالنسبة لشراكسة سورية ليس مختلفاً على الرغم مما يجده الباحث في بعض المصادر من المعطيات الرقمية تعود في أغلبها إلى أواخر الحكم العثماني وعلى امتداد فترة الحكم الفرنسي حتى عام 1946. وجل ما تمثله تلك الأرقام هي أعداد جمعها موظفون إداريون من تقديرات شيوخ أو مخاتير التجمعات السكانية الشركسية، تتصف بأنها أرقام مدورة تنتهي بالأصفار (100، 500، 1000 …..). ولا تميز الذكور من الإناث ولا تبين فئات العمر أو أهراماتها. علما أن هناك بعض القرى الشركسية التي تمتلك تعدادات جيدة لسكانها، خارج دفاتر المخاتير والأحوال المدنية، اعتمدت بعضها لوضع تقديرات رقمية لشراكسة سورية.
أخص بالذكر منها ما قامت به بلدية مرج السلطان من إحصاء دقيق لسكانها قبل عام 2011. التي كان عدد سكانها لا يتجاوز 364 فرداً سنة 1952 وقارب الـ 2500 نسمة من دون حساب سكن مساكن نازحي الجولان. أي أن عددهم تضاعف نحو سبع مرات على مدى ستة عقود. ومما يزيد في صعوبة التوصل إلى رقم مقبول لأعداد الشركس في سورية، عدم وضوح من تشملهم تسمية (شركس) في الشتات وتشركِسيا.
أما أعداد الذين دخلوا الأرض السورية وبلاد الرافدين في العهد العثماني حسب تقارير السفراء الأجانب في تلك البلدان، وبعض الولاة والحكام العثمانيين فيها، فلم تتجاوز تقديراتهم 35.000-40.000 شركسياً في سورية، و25.000-30.000 شركسياً في الأردن، ونحو 3.000 في لبنان، وقرابة 2.500-3.000 في فلسطين، و18.000-25.000 شركسياً في العراق، أي بمجموع يراوح بين 84.000 و101.000 شركسياً.
ويبدو أن تزايد أعداد شركس سورية كان بطيئاً قبل ستينات القرن الماضي وما قبله، لتدني نسبة الولادات، و لارتفاع نسبة الوفيات الناجمة عن سوء التغذية والأمراض وانعدام الرعاية الصحية وانتشار الأوبئة في المواقع الجغرافية السيئة التي تم توطين الشركس فيها. فحوش الدوير مثلاً، قرب مرج السلطان عاش فيها قرابة 130 أسرة (خانة) شركسية منذ 1878، هجرت المكان بعد 30 سنة، بعدما توفي أغلبهم من وباء البرداء (الملاريا)، ورزقوا أثناءها بطفلة واحدة فقط … و وُلدت بكماء.
وأنقل هنا حول الموضوع، ما جاء في الصفجة 375 من كتاب (جغرافية سورية – الجزء الأول في الجغرافيةالطبيعية والبشرية والاقتصادية) لـ: عادل عبد السلام – دمشق 1973، حيث يذكر:
“أما أعدادهم فمتضاربة تقدرها بعض المصادر بـ (35000) نسمة ، ومصادر ترفع الرقم إلى أكثر من ذلك. إن هذا الرقم قديم ويعود إلى بدء الخمسينات أولاً ، وغير صحيح وتقديري ثانياً. لكن احصاءاً غير رسمي للسكان الشراكسة في سورية جرى عام (1969) أعطى رقماً يتراوح بين 59000 -61000) نسمة. فإذا أخذنا الوسطي فعددهم هو (60000) نسمة لذلك العام. و يقدر عددهم لعام (1972) بحوالي (60500) نسمة ” . يشكل الأديغة منهم نحو(54450) نسمة.
ومن المؤكد أن نسبة معدل النمو السكاني للفترة السابقة لعام 1967 ونزوح شركس الجولان وتشتتهم كانت متدنية تدنياً ملموساُ. حيث أنها لم تتجاوز 13-15 بالألف. وهي نسبة أخذت بالارتفاع بعد النكبة نتيجة ما تفرزه الكوارث المهدة للجنس البشري من غريزة البقاء، من جهة و نتيجة لتحسن الرعاية الصحية مع ارتفاع مستوى التغذية ومكافحة الأمراض، وما رافقها من ازدياد متوسط الأعمار ونسبة الولادات، وتراجع نسبة وفيات الأطفال من جهة أخرى، فراوحت في عام 2010 بين 18- 20 بالألف ( مقابل نسبة نمو سكاني يراوح بين 28- 35 بالألف لسكان سورية) .
مما يرفع تقدير عدد الشركس اليوم إلى قرابة 140000- 150000 نسمة تقريباً، على الرغم من احتمال أن يكون أعلى من ذلك ببضعة آلاف، وهنالك من يبالغ فيرفع الرقم إلى (165000) نسمة. مع الأخذ بعين الاعتبار أن تقديرات عام 2000 تشير إلى أرقام تراوح بين 124000- 130000 نسمة. وبطرحنا أعداد من هاجر إلى أمريكا وأوروبا وتركيا والجمهوريات الشركسية وغيرها بعد نكبة 1967 وهرباً من ويلات الحرب السورية المشتعلة منذ 2011، والمقدرة بنحو 10000 نسمة، أميل للقول بأن عدد شراكسة سورية لعام 2017 هو بحدود (140000) نسمة.
عادل عبدالسلام (لاش)
دمشق: 13 – 12- 2017.