مقالات
د. عادل عبد السلام (لاش) : صورة….. واعتقال
د. عادل عبد السلام (لاش) – التاريخ السوري المعاصر
بالأمس القريب تم اغتيال علي عبدالله صالح رئيس جمهورية اليمن (السعيد ؟؟؟) وصحبه، ما أعاد ذاكرتي إلى سنة اغتيال الملك فيصل بن عبدالعزيز في آذار ؟ 1975، حين راودتني حينها فكرة البحث عن الاغتيالات والانقلابات في تاريخ العالم العربي والإسلامي عبر التاريخ، فوجدت أن قرابة 80 % من الحكام العرب والمسلمين قضوا نحبهم غيلة أو قتلا أو سحلا أو اعداما أو شنقاً أو خنقاً أو …. كذلك تذكرت اليوم أحداث الانقلاب العسكري على رئيس جمهورية سورية محمد أمين الحافظ الذي حكم البلد بين سنتي 1963 – 1966…. لا شغفا أو شماتةً بأحد ولا ترفاً أدبياً …بل لما عانيته حينها من أمر كان له أن يدمر مستقبلي.
عدت عام 1965إلى سورية للعمل في جامعة دمشق، بعد قضاء خمس سنوات في جامعة برلين الحرة (الغربية)….. عدت محملاً بأفكار جميلة كثيرة هدفها تطوير المعرفة الأكاديمية في وطني، وفي ذهني صور مشاريع طوبائية أحلم بتطبيقها للاستفادة من الخبرات التي اكتسبتها أثناء دراستي في الجامعة ومخابرها، ومن عملي الميداني في الصحراء الكبرى مشرفاً علمياً في بعثة جامعة برلين إلى جبال تيبستي في قلب الصحراء الكبرى…. وذلك على الرغم من الحرب الشعواء التي جوبهت بها والتي تصدرتها قضية رفض تعييني في جامعة دمشق التي أوفدتني… والتي نجحت في تجاوزها لأتفرغ بعدها لمهامي الأكاديمية.
لكن أحداث الصراع على السلطة والأنانية السياسية التي بدأت تهيمن على الحكم بعد استقلال سورية، والتي كانت الانقلابات العسكرية قوامها والبلد والشعب وقودها، كادت أن تغير مسيرتي الأكاديمية. ففي مسلل الانقلابات التي احتلت فيها سورية مركز الصدارة بأكثر من 34 انقلاباً سورياً من أصل 123 انقلابا في العالم العربي… لم أنج من رشاش أحداث أول انقلاب أعيشه بعد خمس سنوات تذوقت فيها طعم الحرية والحضارة والصدق و تقديس الكيان الإنساني في أوروبا الغربية. ففي يوم الخميس (على ما أذكر) في 23 شباط/ فبراير من سنة 1966، انتشر خبر حصول انقلاب عسكري أطاح برئيس جمهورية البلاد محمد أمين الحافظ (أبو عبدو….)، الذي هوجم في منزله قرب ساحة (أبو العلاء المعري) نهاية شارع (أبو رمانة) بدمشق، وقُصف بالأسلحة الثقيلة. وعلى الرغم من نأيي بنفسي عن أي نشاط سياسي أو حزبي أو طائفي أو….. وعدم انتمائي لأية فئة لا تخدم الإنسان مهما كانت هويته طوال حياتي…..تسببت لي هوايتي للتصوير الفوتوتغرافي بمشكلة كنت بغنى عنها وعن ذيولها.
إذ شدني فضولي ورغبتي في التقاط صور لمنزل أمين الحافظ بعد قصفه بيومين ، للذهاب إليه لمعاينته وتصويره، على الرغم من احتمال منعي من الوصول إليه. ولعجبي وصلت إليه وكان بعض المارة يسيرون أمامه، والتقطت للجانب المدمر من المنزل صورتين وكانتا آخر صورعلى الفلم، الذي قمت بإخراجه من ألة التصوير واستبداله بفلم جديد. لكنني ما كدت أنهي العملية إلا ودوت بالقرب مني ثلاث طلقات نارية، أعقبها تراكض بعض الجنود نحوي مسددين أفواه بنادقهم على صارخين برفع يدي والاستسلام. واقتادوني إلى رئيسهم (ملازم أول)، الذي بدأ معي تحقيقاً بعد مصادرة هويتي وآلتي التصوير (لايكا و فوغتلندر). ثم تم نقلي بعد قرابة الساعة، إلى مقر عسكري قريب حيث قام ضباط من رتب أعلى ومدنيون بالتحقيق معي.
وكانت أفلام آلتي التصوير قد سحبتا منهما وأرسلت للتحميض والطباعة…. ويبدو أن هويتي الجامعية والتحقق من شخصيتي منعا المحققين من إهانتي أو ضربي، طوال الساعات العشر التي اعتقلت فيها. كما أن عدم ظهور أي مظهر عسكري في الصور المطبوعة، خفف من حدة لغة المحققين. لكنهم لم يطلقوا سراحي حتى تلقوا أمراً بذلك من سلطة أعلى لم أعرفها إلى اليوم.
أعاد المحققون آلتي التصوير والهوية وغيرها من ممتلكات شخصية إلي، بما فيها الفيلم الذي كنت صورت آخر صورتين فيه واستبدلته بآخر، وادعيت أنه غير مصور، فلم يأخذونه مني …؟؟؟؟ والصورة المرفقة بهذا الخبر هي واحدة من الصورتين اللتين لم تصادرا.
كانت هذه الحادثة صفعة رنانة أيقظتني من غفوة وشعور زائف عن ما كنت أعرفه عن شمس بلادي، لأتذكر أين أعيش وفي أي مجتمع أحيا. فكانت درساً قاسياً أعادني إلى وعيي لأدرك واقعنا الأليم وموقعنا في سلم رهط بلدان التخلف.
عادل عبد السلام (لاش)
دمشق: 6 – 12 – 2017.
1- مسكن رئيس جمهورية سورية محمد أمين الحافظ إثر قصفه في 23-2-1966.