دراسات وترجمات
تاريخ الصناعة السورية
الباحث يوسف خورشيد: تاريخ الصناعة السورية
تعد دمشق أكثر المدن شهرة في توطن الصناعات اليدوية التي تعتمد على المهارات الفردية من القديم وقد تعرضت الصناعة في سورية في الثلاثينات إلى هزات عنيفة بسبب الظروف الدولية التي عانى منها القطر أيام الاحتلال الفرنسي.
وانتشار الآلة في أوربا مما تولدت عنه منافسة حادة في خارج القطر ثم تعدته إلى داخله فظهرت حالة من الكساد وانعكست على المشتغلين في الصناعة السورية وتراجعت دخولهم الفردية ورغم كل الظروف الصعبة التي اكتنفت إقامة الصناعة السورية في بداياتها كنقص الأيدي العاملة الماهرة والظروف السياسية القلقة داخل القطر وخارجه والممارسات الأجنبية عن طريق التحكم في إعطاء الامتيازات وقطع التبديل تارة وعن طريق إغراق الأسواق العربية بالبضائع الأجنبية تارة أخرى وبالرغم من هذا فقد ولدت الصناعة في سورية ونمت وتطورت.
حيث احتلت الصناعة في البلد المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد الزراعة في الاقتصاد السوري وتسهم الصناعة بنمو 12% من الدخل الوطني ولذلك وضعت الدولة الخطط لتطويرها وتحديثها وإدخال صناعات جديدة عليها وتوزيع المنشآت الصناعية على مختلف محافظات سورية حسب توافر الموارد الأولية واليد العاملة وكذلك قدمت الدولة عدداَ من وسائل الدعم المكنة لخلق مناخ موات للإقامة الصناعة فمنحت الحماية الجمركية لعدد من الصناعات ومنحت عدداَ من التسهيلات منها إعفاء الآلات والتجهيزات من الرسوم الجمركية وكذلك الإعفاء من ضريبة الدخل على الصناعة المقامة ولمدة ثلاث سنوات بدءاَ من تاريخ مباشرتها الإنتاج بالإضافة إلى زيادة الرسوم الجمركية على السلع المستوردة المماثلة للإنتاج المحلي ومنع استيراد بعض المنتجات الأخرى
وفيما يلي بيان لمراحل تطور الصناعة في المحافظة:
1-المرحلة الأولى:
حيث نجد في هذه المرحلة أن مميزات الصناعة الحديثة لم تكن موجودة بشكل تام كرأس المال والآلات والمعامل الكبيرة وعدم توافر الطاقة والاختصاص والإنتاج بكميات كبيرة فالمعامل صغيرة وعدد العمال قليل والعمل فيها يدوي تقليدي والمواد الخام محلية نباتية وحيوانية.
2-المرحلة الثانية:
بدأت هذه المرحلة منذ الاحتلال الفرنسي للبلاد واستمرت حتى بداية الحرب العالمية الثانية وهي فترة التبعية والتخلف إذ عملت فرنسا على ربط الاقتصاد السوري بعجلة الاقتصاد الغربي لكنها مع ذلك حملت إلى البلاد بذور الصناعة الحديثة ونشوءها بدخول الآلة والقدرة الكهربائية وقيام بعض المصانع التي تضم أكثر من مائة عامل ومن هذه المصانع في المحافظة مصانع الإسمنت – الكبريت – نسج الصوف والقطن ومعظم هذه الصناعات هي صناعات استهلاكية. وقد تميزت الفترة الأخيرة من هذه المرحلة قبل الاستقلال بوضع اقتصادي خاص سببه انقطاع التجارة والاستيراد والتصدير بين حلب والعالم الخارجي لظروف الحرب حيث كانت الصناعات القائمة قبل الحرب خفيفة وتحويلية صغيرة تعتمد على المواد الأولية المتوفرة وبخاصة زراعية المنشأ.
3-المرحلة الثالثة:
بدأت هذه الفترة مع استقلال البلاد عام 1946 وهذه المرحلة تميزت بالازدهار والنمو بالنسبة للصناعة مقارنة مع المراحل السابقة إذ خلفت الحرب طبقة من البرجوازية التجارية والملاك العقاريين وكبار الحرفيين والإقطاعيين الذين وجدا فرصتهم الذهبية لزيادة أموالهم حيث,جندت رؤوس الأموال الكبيرة لأقامة مصانع لإنتاج الزجاج والإسمنت والغزل والنسيج بمختلف أنواعه وبعض الصناعات الغذائية والتحويلية وقد بلغ عدد الشركات حلال الفترة 1944- 1947 حوالي تسع شركات في محافظة حلب.
حيث استمر هذا الوضع حتى عام 1958 عام الوحدة بين سورية ومصر واستمر تزايد النشاط الصناعي حتى عام 1965 وتحمس أصحاب الصناعات المختلفة لتنميتها وزيادة عدد المصانع وأخذت الصناعة تنتشر على مساراتها الأولية في الشرق والشمال.
4-المرحلة الرابعة:
احتلت الصناعات الاستهلاكية مكانة هامة من قبل القطاع الخاص الذي ما لبث أن انحسر نشاطه وتجمد بعد صدور قرارات التأميم لبعض المنشآت الصناعية عام 1963-1965 وترافقت قرارات التأميم مع إصدار القرارات الخاصة بتطور الصناعة في سورية من قبل القطاع العام وخاصة في مجال صناعة الجرارات والآلات الزراعية الإسمنت والمحالج والزيوت والزجاج والغزل والنسيج القطني والصوفي والحريري وصناعة السجاد والألبسة الجاهزة وقد تطورت هذه الصناعات بشكل كبير في حلب إذ ارتفع عدد العمال في هذه الصناعات من 12000 عامل إلى 70000 عامل وأخذت المنطقة الصناعية بالانتشار في شرق وشمال وجنوب المحافظة.
5- المرحلة الخامسة:
هذه المرحلة مستمرة حتى الآن التي بدأت عام 1971 وفي هذه الفترة أصبحت حلب من أهم المدن الصناعية وتتركز فيها حوالي60 % من المنشأ ت الصناعية وخصوصاً النسيجية التي تصدر منتجاتها من الغزل والنسيج إلى كثير من الدول حيث توجد في حلب حالياً أضخم قاعدة للصناعات النسيجية في القطر باللأضافة إلى العديد من الصناعات الأخرى التي كانت ثمرة من ثمار الحركة التصحيحية المجيدة كصناعة الكابلات والبطاريات والزجاج والمصباح الكهربائي والجرارات والألبسة الداخلية والجاهزة والبلاستكية والتحويلية والكيميائية
حيث بدأت المشاريع الصناعية في منتصف التسعينات وفي بداية القرن الحالي بالانخفاض رغم أن رؤوس الأموال مازالت ترتفع بشكل تدريجي ذلك بسبب عدم استخدام التقنية المطلوبة في الإنتاج كما أن التجارة داخل القطر بالنسبة للمنتجات المحلية غير مرغوبة من قبل السكان وكذلك يعود إلى ظهور قانون الاستثمار حيث أدى ظهوره إلى تأميم المشاريع الصناعية الخاصة مع العامة وأصبحت تحت اسم القطاع المشترك.