المسرح في سورية
مسرح خيال الظل في سورية
مسرح خيال الظل في سورية
يُعدّ فن خيال الظل من أقدم أشكال الفن المسرحي في العالم العربي، وقد احتلّ مكانة بارزة في الحياة الثقافية السورية، خاصة في المدن الكبرى مثل دمشق وحلب.
انتقال خيال الظل إلى المنطقة:
ويُعتقد أن هذا الفن دخل بلاد الشام في القرون الوسطى، إما عبر التجار أو الرحالة الذين جلبوه من مناطق شرق آسيا أو من مصر.
ويذكر عادل أو شنب: (زعموا أن موظن خيال الظل هو الهند، فقال بعضهم انه جاءنا من جاوه، والمستشرقون الألمان قالوا أنه وصل إلى العالم الإسلامي عن طريق الصين. ومن الثابت أنه انتشر في البلاد العربية مثل غزوات التتار).
بدايات خيال الظل:
تُوثّق المخطوطات العربية أحد أقدم النصوص المكتوبة حول خيال الظل، مثل مخطوطة “العجيب في أخبار الحبيب” لشمس الدين محمد بن دانيال، وهي تعود للقرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي). ومع أن هذه المخطوطة كُتبت في مصر، إلا أن تأثيرها وصل إلى دمشق، حيث ازدهر خيال الظل كممارسة أدائية شعبية.
بدايات خيال الظل في سورية
في عام 1308م، ذكر المؤرخ الدمشقي ابن فضل الله العمري إشارات لفن خيال الظل في الحياة العامة، مشيرًا إلى استخدامه كوسيلة ترفيهية وتعليمية، غالبًا في المقاهي أو أثناء المناسبات الدينية. كما أن الكسندر راسل، الطبيب البريطاني الذي زار مدينة حلب في منتصف القرن الثامن عشر، قد وصف في كتابه “الطبيعة والتاريخ في حلب” عروض خيال الظل التي شاهدها، مشيرًا إلى المهارة العالية لدى “المخايل” في تحريك الدمى واستخدام الأصوات.
وحتى بدايات القرن العشرين، ظل فن خيال الظل حاضرًا في الحياة الدمشقية، لا سيما في مقاهي المدينة القديمة، مثل مقهى النوفرة قرب الجامع الأموي، حيث اعتاد الناس على مشاهدة “كراكوز وعيواظ”، الشخصيتين الأشهر في هذا المسرح، واللتين أصبحتا رمزًا للثنائية الاجتماعية: البساطة والدهاء، الشعب والسلطة.
وفي فترة الانتداب الفرنسي، بدأ الاهتمام بهذا الفن يظهر في كتابات مثقفين مثل خليل مردم بك ومحمد كرد علي، حيث أشاروا إلى دوره في تشكيل الوعي الشعبي ومقاومة الاحتلال بطريقة غير مباشرة عبر النقد والرمز.
أهمية فن خيال الظل:
كان لمسرح خيال الظل في ثلاثينيات القرن العشرين في سورية تأثيراً كبيراً في توجيه الناس، وتقويم سلوكهم، وتعاملهم، وذلك بما كان يلقيه المخايلون “الكركوزاتية” على ألسن شخوصهم، من المواعظ الأخلاقية، بعبارات انتقادية تؤثر في قلب أشد الناس بلادة.
ويذكر الشيخ محمد أحمد دهمان : إن الناس كانوا يقصدون الربوة بدمشق في يومي المحفل من كل أسبوع حيث يخرج في هذين اليومين الحلقية والمشعبذون والمخايلة والحكوية، حيث أن جميع أنواع التسالي والتلهي كان مطبوعاً بطابع ديني خلقي.
وقد كان فتى الظل فناً تلقائياً يخاطب الجماهير الشعبية، ويعكس وجدانها، حتى لكأنه مرآة يرى فيها المجتمع عيوبه، ونقائضه، فأتت فصوله على شكل يوازن بشكل غير مباشر، ما كان وما هو كائن، وما ينبغي أن يكون في حياة الناس، وفضلاً عن ذلك فقد كان للحكواتي شأن في ثقافة وانتماء جيل تلك الفترة من حياة الشام.
الإدراج في قائمة اليونسكو للتراث:
لكن التحوّل الحقيقي جاء مع دخول وسائل الإعلام الحديثة، ما أدى إلى تراجع عروض خيال الظل، خاصة بعد الستينيات. ومع ذلك، فقد بقي بعض المخايلين مثل شادي الحلاق محافظين على هذا التراث حتى إدراجه عام 2018 في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي الذي يحتاج إلى صون عاجل.
كتب عادل أبو شنب ووصف أحد العروض التي جرت في مقهى الدرويشية بدمشق، دون أن يشير إلى تاريخ العرض الذي وصفه، كتب ما يلي:
(كانت تنصب خيمة صغيرة في مقهى الدرويشية الشعبي، كانت تنصب في أحد أركان المقهى، وتميزت هذه الخيمة بشاشة من الكتان الأبيض.
عزفت موسيقى متواضعة على نحو ما يجري في عروض خيال الظل، أو كركوز وعيواظ، كما كان يسمى في دمشق، ثم قام إلى الخيمة عبد الرزاق الذهبي، فحرك الشخوص، وتكلم بألسنتها، وشاهد الجمهور الخليط حكاية ملخصها أن الحمار يتجنب الحفرة التي يقع فيها مرة، في حين أن الإنسان لا يتجبنها).
كركوز وعيواظ الأول الغبي الذي يقع في المقلب والثاني الذي يتفنن في التخطيط للمقالب، وبكري مصطفى السكير القبضاي والمدلل وغيرها من شخوص فن خيال الظل الدمشقي.
كانت آلهية العامة والخاصة التي استحوذت على مشاعر الجمهور طوال سبعة قرون في البلاد العربية. هذه الفصول بشخصها رجل واحد بواسطة دمي جلدية ملونة تجري وتتحرك وتعيش من وراء ستارة بيضاء مضاءة.
هذه الظاهرة المسرحية الرائعة سادت في بلادنا فسدت سد المسرح المتعارف عليه، فكانت ارثنا المسرحي الذي علينا أن ننظر إليه باحترام لأنه على الأقل ينفي عنا تهمة أننا لم نعرف المسرح إلا في العصر الحديث.
والمؤرخون ابن إياس والمقريزي والأبشيهي يروون كيف تم انتشاره في بلادنا، وكيف أصبح حرفة لها عمالها وكتابها و محركو شخصوها الذين هم أهم عنصر فيه لأن الحوار يجري بألسنتهم، وبراعة محرك الشخوص والكراكوزاتي، أنه يتكلم بألسنة الشخوص جميعاً، فيقلب صوته وفق الشخصة المتكلمة.
كيف يتم العرض:
يجري العرض بأن يقف محرك الدمى داخل الخيمة دون أن يراه الجمهور، وعلى أنغام الطبل والمزمار يبدأ الفصل بتحريك الدمى من وراء الستارة البيضاء التي تشبه شاشة التلفزيون أو شاشة السينما، في الواقع هاتان الشاشتان هما اللتان تشبهان شاشة خيال الظل لأن هذا الفن أقدم.
وتجري الحوادث كما في الفصل المعروض وينفعل الجمهور بالقصة وبالحوار الذكي والجميل الذي هو حوار مسرحي حقيقي إلى أن ينتهي الفصل مع ضحكات الرواد واستمتاعهم وحصولهم على العبرة المتوخاة.
وقد يكون مؤسفاً أن الباحثين والمؤرخين العرب لم يلتفتوا في العصر الحديث إلى هذا الفن إلا قليلاً.
وفي دمشق أقدم متشرق فرنسي في عهد الاحتلال الفرنسي،وبالتحديد عام 1928 على نقل عدة فصول محلية، وقد نشرت بعد موته في مجلة “الدراسات الشرقية” التي كانت تصدر في باريس، في العدد الصادر عام 1937- 1938م، وابرزها فصل الحمام المشحون بالمواقف المضحكة والكلمات البذئية، فقد أصبح فن خيال الظل في دمشق سفيهاً في أيامه الأخيرة.
إن محركي دمى خيال الظل كانوا بمثابة الصحف والجرائد التي تنقل أحداث اليوم، وكانوا، وهذا هو المهم، من الدعاة والمحرضين السياسيين الذين لعبوا دوراً بارزاً في إزكاء الروح الوطنية.
الشخوص نماذج مصغرة:
إن المضمون الذي حملته شخوص خيال الظل على الرغم من أنها مصنوعة من الجلد الملون، هو مضمون اجتماعي حقيقي، فقد تجاوزت الشكل الجلدي، وأصبحت نماذج مصغرة لأشخاص موجودين في الحياة اليومية.
المراجع والهوامش:
(1). أبو شنب (عادل)، ليلة دمشقية- الأفندية والنرجيلة، وخيال الظل، مجلة الدوحة- قطر، العدد 80 الصادر في الأول من آب عام 1982م، صـ 79-80
(2). كيال (منير)، سهرات النساء في الشام أيام زمان - صفحات مطوية من حياتنا، منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب- وزارة الثقافة، دمشق 2009م، صـ 16
(3). أبو شنب (عادل)، ليلة دمشقية- الأفندية والنرجيلة، وخيال الظل، مجلة الدوحة- قطر، العدد 80 الصادر في الأول من آب عام 1982م، صـ 79-80
تصريحات أمين عام وزارة الصحة حول انتشار مرض الانفلونزا في سورية عام 1957
حسن توفيق