صورة وتعليق
المشفى العسكري العثماني في دمشق
يظهر بالصورة الملتقطة في بداية ثلاثينات القرن العشرين المدخل الرئيسي للمستشفى العسكري العثماني والذي يطل على جادة الصالحية . والأجنحة المتاخمة للمدخل هي أجنحة المشفى و الممتدة على طول الجادة .
والجدير بالذكر ان عمارة هذا المبنى يشبه الى حد كبير عمارة مبنى ( رئاسة الأركان الفرنسية مقابل مبنى البرلمان سابقاً ) .
كان طراز عمارة المشفى العسكري العثماني ( الخستاخانة الميرية العثمانية ـ خستخانة الشام ) مبنياً على نمط البناء الأوروبي والمستخدم في أوروبا ، وبه تأثيرات عثمانية خفيفة ، وخاصة المبنى الرئيسي وبه البوابة الرئيسية ذات المداميك الأبلقية والمتوجة بقوس من الزخارف التي انتشرت في معظم الأبينة العثمانية بذاك العصر.
أما الباب فيتألف من مصراعين كبيرين من خشب الجوز مثبت عليه مسامير ضخمة تشبه الى حد كبير طراز أبواب الخانات والمنتشرة في ابنية دمشق ، كما يحوي مصراع الباب الأيمن باب صغير هو ( باب خوخة ) هذا المصطلح يطلقه أهل الشام من العوام على هذه الأبواب الصغيرة والتي كانت مخصصة لدخول الأفراد بالماضي .
وعند دخول القوافل والجمال والعربات التي تجرها الخيول يفتح الباب على مصراعيه لسهولة دخولها و خروجها . ويوجد فوق اسفكه باب المشفى لوحة صغيرة كُتب عليها بالعربية و بخط رديء ( مستشفى المركز ) .
ويعد هذا الطراز …. تطويراً للطراز الكلاسي الأوروبي المحدث في منتصف العقد السادس من القرن التاسع عشر ، وأحدث انقلاباً كاملاً في نظام العمارة المحلية ، ويعود السبب في انتشار هذه العمارة ، إلى تواجد جاليات أجنبية في دمشق وفي طريق بوابة الصالحية ، والانفتاح على الثقافة الأوروبية .
وعليه فقد بدا واضحاً في الانفتاح الكامل على الشارع مع الاعتناء بالواجهات التي زينت بالفتحات والنوافذ المؤطرة والمتوجة . كما يمتاز بظهور طوابق علوية و عليها سقف جملوني قرميدي . واستطيع الجزم بأنه باكورة نظام العمائر المحلية والتي برزت فيما بعد في عهد الوالي العثماني ( حسين ناظم باشا ) مثل دار البلدية ، وسراي الحكومة على ضفة نهر بردى ، والقشلة الحميدية / الجامعة السورية ، و المستشفى الحميدي . ( راجع : حكاية دمشقية اسمها ساحة المرجة / عماد الأرمشي ) .
و يظهر بالصورة الملتقطة في بداية ثلاثينات القرن العشرين المدخل الرئيسي للمستشفى العسكري الفرنسي والذي يطل على جادة الصالحية ، وتعلو المدخل لافتة باللغة الفرنسية ما نصها : ( مستشفى هنري دو فيربيزيه العسكري ) علاوة عن اللوحة الصغيرة التي كُتب عليها بالعربية ( مستشفى المركز ) .
والأجنحة المتاخمة للمدخل هي اجنحة المشفى و الممتدة على طول الجادة . والجدير بالذكر ان عمارة هذا المبنى يشبه الى حد كبير مبنى ( رئاسة الأركان الفرنسية مقابل مبنى البرلمان سابقاً ).
ذكرت بعض المصادر التاريخية أنها شُـيدت في عام 1282 للهجرة الموافق 1865 للميلاد ، و قد نوه الدكتور قتيبة الشهابي بوجود إختلاف في الرأي حول تاريخ البناء في عام 1865 و الذي يوافق ولاية الوالي العثماني على الشام ( أسعد مخلص باشا) أيام سلطنة السلطان العثماني ( عبد العزيز خان بن السلطان محمود الثاني ).
و حول تاريخ البناء : ذكر الدكتور ( صفوح الخير) في كتابه ( مدينة دمشق ) صفحة 204 أن المشفى شُـيد في التاريخ الوارد أعلاه .
وكذلك ذكر محمد بشير زهدي في دمشق و تاريخها العمراني و المعماري أن الصالحية كانت بلدة منعزلة عن مدينة دمشق القديمة ، ظهرت المباني على طرفي طريق امتد من الصالحية إلى مدينة دمشق القديمة ، وذلك بعد ظهور أحياء سكنية صغيرة حول أضرحة ( شهداء ) في حي عرف باسمهم (حي الشهداء) والجدير بالذكر أن أول مبنى أنشئ خارج بوابة الصالحية كان (مبنى المستشفى العسكري) الذي يعود إلى عام 1865 للميلاد …. حل محله مبنى سينما الحمراء والمباني المجاورة وصولا الى بوابة الصالحية .
و أكد المهندس ( نزيه كواكبي ) رحمه الله في بحثه المنشور ضمن كتاب ( دمشق دراسات تاريخية و أثرية ) من مطبوعات المديرية العامة للآثار والمتاحف صفحة 195 ، أن المشفى شُـيد في عام 1865 للميلاد ، وهذا ما ذكره الأستاذ (محمد شحادة الأرمشي ) المفتش الأول بوزارة التربية والتعليم السورية ـ طيب الله ثراه، أن خستخانة الشام أنشئت بأول طريق الصالحية بعد أن هدأت أحداث عام 1860 والتي يسميها أهل الشام من العوام (طوشة الستين) بدمشق وبعدما شعرت السلطنة العثمانية العلية بعجزها التام عن تقديم الخدمات الطبية للمصابين جراء بتلك الأحداث ( الطوشة).
الصورة أعلاه ملتقطة من الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي و تظهر فيها الجبهة الشرقية للمستشفى العسكري العثماني ( الخستخانة) ، وقد احتلتها قوات الانتداب وجعلتها مشفى فرنسي تحت مسمى ( مستشفى هنري دو فيربيزيه العسكري ).
وتبدو الاستحكامات الفرنسية والأسلاك الشائكة التي نصبتها قوات الاحتلال إبان الثورة السورية عام 1925 عند بوابة الصالحية، وصادف مرور ترام خط الشيخ محي الدين قادماً من منطقة الشهداء إلى ساحة ( الشهيد يوسف العظمة ـ بوابة الصالحية ) ماراً أمام المشفى ومنه إلى شارع بور سعيد ( فؤاد الأول ) ، فساحة المرجة .
بعد عيد الجلاء عام 1946 للميلاد تم تحويل المشفى الى قسمين ، قسم صار مبنى الأركان ، وقسم استمر عمله كمستشفى ، وصار يُعرف باسم مستشفى الشهيد ( يوسف العظمة ) كما ذكر الدكتور الشهابي ، حتى تم هدمه للأسف الشديد في عام 1949 (1).
(1) الباحث عماد الأرمشي، موسوعة دمشق الشام