الفنادق في دمشق ككل شيء فيها تطورت مع تتطور الأزمنة والحاجات، من الخانات القديمة مروراً بـ “النزل” ووصولاً إلى الفنادق الكبيرة المبنية على الطراز الحديث لتلبي حاجات السياح والوفود الرسمية من ملوك ورؤساء وشخصيات عامة. وحوالي عام 1897 قررت ملكة بريطانيا وأيرلندا والهند “الكساندرينا فيكتوريا” أن تقوم بزيارة لسوريا، وعندها بدأت قصة أول فندق يبنى على الطراز الأوروبي في دمشق، والذي سمي على اسمها “فندق فيكتوريا”، ولم يكن وحده من اطلق عليه اسم ملكة بريطانيا، فالجسر المجاور للفندق سمي بـ “جسر فيكتوريا”، ومشفى الزهراوي الواقع في حي القصاع كان اسمه “مشفى فيكتوريا”، ولكن هذه الزيارة لم تتم بسبب وفاة الملكة. وتتضارب المراجع التاريخية في تحديد هوية الشخص الذي قام بتشيد هذا الفندق، حيث تقول إحدى الروايات أن “أحمد عزت العابد” المستشار الخاص للسلطان عبد الحميد الثاني العثماني ووالد أول رئيس للجمهورية السورية محمد علي العابد هو من بناه ومن ثم تملكه “الخواجة بترو”، ورواية اخرى تقول أن “الخواجة بترو” هو صاحب الفكرة في تشييده.
وأقيم فندق فيكتوريا على ضفة نهر بردى مقابل السراي (وزارة الداخلية القديمة) في منطقة تمتد فيها البساتين على مد النظر وقريبة من محطة الحجاز وساحة المرجة، وكان فندق من أهم الفنادق في ذلك الزمان، فقد جُهز بأحدث معدات الفنادق الأوربية الحديثة.
كان مؤلفاً من طوابق ثلاث، يعلوها سقف هرمي الشكل مبني من القرميد الأحمر، وله “تراس”، أما تصميمته الداخلي تميز بالتمازج بين الطراز الغربي والشرقي، أسقف الغرف مزخرفة وكذلك الأقواس العربية والأعمدة، ونوافذه كثيرة منها ما يصل حتى حدود السقف. وتولى إدارته أشخاص شُهد لهم بطول الباع في إدارة الفنادق الخواجة ندرة الوف وميشيل ساريكاكي.
مشاهير أقاموا في فندق فيكتوريا حسب التسلسل الزمني:
نزلاء فندق فيكتوريا أتوا من أصقاع الأرض كافة عرباً واجانب، شخصيات سياسية، عسكرية، فنية وثقافية.
– الإمبراطور الألماني غليوم الثاني: جاء إلى دمشق بزيارة رسمية مع زوجته الإمبراطورة “أوغوستا فيكتوريا” يوم الاثنين 7 تشرين الثاني عام 1898م، ونزل في الفندق مع مرافقيه وحاشيته، وبعض المصادر تقول أن الامبراطور وزوجته نزلوا في المشيرية العسكرية (مكان القصر العدلي حالياً) ومرافقيه نزلوا في فندق فيكتوريا.
– المهندس المعماري الإسباني فرناندو دا أراندا الذي وصل إلى دمشق سنة 1902 قادماً من اسطنبول، وفي دمشق تعرف على زورجته زنوبيا سيريكاكيس، ولهذا المعماري منجزات معمارية كبيرة في دمشق مازالت موجودة حتى يومنا هذا منها بناء محطة الحجاز.
– الحاكم العسكري العثماني لدمشق جمال باشا الملقب بـ”السفاح” نزل في فندق فيكتوريا عام 1916، وبقي فيه طوال إقامته في دمشق.
– الحاكم العسكري العثماني جمال باشا المرسيني الملقب بـ”الصغير” الذي خلف جمال باشا “السفاح” وبقي فيه حتى شهر أيلول من عام 1918 وكان مقراً للقيادة العسكرية العثمانية طيلة فترة الحرب العالمية الأولى.
– الجنرال البريطاني إدموند اللنبي الذي دخل إلى دمشق في 3 تشرين الأول عام 1918 عند دخول القوات الإنكليزية مع الأمير فيصل بن الحسين، فنزل في فندق فيكتوريا، واستدعى إليه قائد الخيالة الأسترالي الجنرال “شوفيل” وطلب منه أن يرسل سيارة لتقل الأمير فيصل إلى فندق فيكتوريا حتى يلتقيان، وكان لورنس العرب هو المترجم في هذا اللقاء.
– اللورد بلفور جاء دمشق في نيسان 1925، ونزل فندق فيكتوريا 19 ساعة فقط لم يخرج من غرفته، بسبب المظاهرات الحاشدة للدمشقيين المنددين بوعده المشؤوم، وحصلت مصادمات مع قوات الانتداب الفرنسي آنذاك سقط خلالها أكثر من 50 جريحاً، مما اضطر بلفور إلى مغادرة دمشق.
– الفنان شارلي شابلن نزل في هذا الفندق عندما زار دمشق سنة 1931 لافتتاح فيلمه الشهير”أضواء المدينة”. – القيادة البريطانية العسكرية مع دخول الديغوليين إلى دمشق عام 1941م. وانتهت فصول حكاية هذا الفندق قبل 60 عاماً تنفيذاً لقرار المهندس الفرنسي ميشيل إيكوشار، الذي أعاد تنظيم المدينة، وأزيل الفندق كلياً وشيد مكانه عام 1955 بناء إسمنتي يخلو من ذكريات الدمشقيين وأحداث مدينتهم يسمى بناء الحايك.
المصدر:
موقع سوريات- سيريانيوز