مقالات
نورالدين عقيل: خان النبك القديم
نورالدين عقيل – التاريخ السوري المعاصر
تبعد مدينة النبك عن دمشق حوالي 80 كيلو متر، وكان الرحالة (ابن خرداذبه) في كتابه (المسالك والممالك) قد عدد المنازل بين دمشق وحمص، وقدر البعد بين خان النبك والقطيفة عشرين ميلا، ومن قارا الى النبك اثنا عشر ميلا، أي يبعد عن خان القطيفة ما يقارب (25) كم في حين يبعد عن قارا (18) كم، وهي المسافة المناسبة التي تقطعها القوافل بحيث تبيت ليلتها في الخان بعد مسيرة النهار.
يقع خان النبك على هضبه شرقي الطريق الرئيسي الحالي ، وفي الساحة الحالية للبلدة كانت تظهر قناة ماء قادمة من جهة يبرود على شكل نبع قوي يتحول بعدها الى نهر صغير يعلوه جسر، ويستمر ضمن البساتين الممتدة حتى دير عطية، في حين أن المسافة بين الهضبة والنبع كانت شبه خاليه من البناء ، فقد شيد فيها جامع ذكره السائح التركي (اوليا جلبي عام 1059هجرية / 1648 ميلادية) حين مر بالنبك وتمنى أن يبنى بالقرب من الجامع (جامع الغفري) خان ليزيد عمرانها، وهذا ما تحقق لاحقا ، إذ أمر نائب الشام (صالح باشا الموستاري) ببناء مجمع في النبك وذلك في عام ( 1075 هجري/ 1665 ميلادي) يضم خان وجامع وحمام وسوق ، كما هو الحال في مجمع سنان باشا في القطيفة الذي بني قبله بحوالي سبعين الى ثمانين عام.
ويذكر ( المحبي) ان عمارة الخان تشبه الخان المشيد في مدينة القطيفة وذكر قائلا ( واتفق أن استشهد نائب الشام الوزير مصطفى باشا القيللي فوجه صالح باشا الموستاري مكانه ، وامر بعمارة خان حسيه، ثم أمر بعمارة خان النبك ، فعمروه عمارة لطيفه وقلدوا مافي بنيانه بنيان عمارة القطيفة من السوق والجامع والحمام والعماره).
في عام ( 1076هجري/ 1666 ميلادي ) مر السائح ( تيفينو Theveno ) في النبك وقد كان الخان في مرحلة البناء .
هذا وقد ذكر النبك ومشيداتها المعمارية (الشيخ ابراهيم الخياري) في اخبار رحلته التي قام بها الى المنطقة عام ( 1080 هجري/ 1669ميلادي ) حيث وصف خانها الحسن المشيد من الحجر المحلي ، وكذلك وصف المسجد الملاصق وما يباع في الخان من منتجات مما يجعل منه سوقا لترويج المنتجات الغذائية فقال : (وصلناها فإذا عندها خان حسن الوضع يستوجب النزول به ، وبه مسجد لطيف جدا له شبه تام بمسجد القطيفة، وهذا المنزل المبارك هو المسمى بالنبك، وإذا هو منزل عامر به ما يباع من اللحم والبيض والدبس والشعير والتين وغير ذلك، وبه نهر عذب الماء حلوه بارده، وهو عذب الهواء ،والمنزل متسع حول مسجده وخانه أشجار مخضرة لم نأكل من ثمارها شيئا لما اخبر بعض أهله أنها اصابها سقعة برد فهلكت).
ونظرا لأهمية الخان فقد أخذت التجمعات السكنية تزداد وتعمر من حوله تدرجت وتحولت الى قرية صغيرة .
إلا أن هذا الخان اهمل مع مرور الزمن لاسيما خلال فترة الاحتلال الفرنسي إذ تحول الخان الى اسطبل للخيول طبقا لرواية (جان سوفاجيه) الذي رسم مخططا للخان ووصفه بالقول (مستطيل من الشرق للغرب حوالي ( 55,5 × 30 متر) في وسط المضلع يقع المدخل المؤلف من ايوان خارجي سقفه منحن على شكل قوس مخموس يؤدي الى بوابة ودهليز مؤلف من قسمين ، على جانبيه غرفتان يتم الدخول لكل منهما من باب ، في جانبي النهاية الشمالية للرواق وضمن الجدران بعد نهاية الرواق وقبل الدخول للخان يوجد درج في كل جهة ، الخان مقسم الى ثلاثة اجنحة طولية من الشرق للغرب مقسومة بواسطة صفين من الأعمدة، في كل صف ستة اعمدة وعلى الجدران توجد عضادات ملتصقة – ست على كل من الجدارين الطويلين واثنتان على كل من الجدارين القصيرين وعضادة في كل زاوية – بين كل عضادتين توجد مدخنه، أمام الخان باحة ابعادها حوالي ( 55 × 35 ) متر ، لها باب في الجهة الغربية وفي وسط الضلع الجنوبي من الباحة يقع باب يؤدي للجامع ، والى الغرب من الجامع في الزاوية الجنوبية الغربية من باحة الخان يوجد بقايا مبنى صغير ربما استخدم كحمام).
في اواسط القرن العشرين زار الخان الرحالة (احمد وصفي زكريا) وكان قائما حتى ذلك الوقت ووصفه قائلا (الخان ذو بناء ضخم وصحن فسيح جدا ربما بلغ الدونمين ، وحول الصحن قبو عظيم كثير العرض والطول ذو سقف معقود بالحجر وقائم على دعائم ضخمة كثيرة، وقد كان هذا الخان خاصا بالحجاج والمسافرين ودوابهم، ثم اتخذته الحكومة العثمانية ثكنة ومستودعا لجند الرديف ، ثم اتخذه الفرنسيون في عهد انتدابهم لجندهم المتطوعة، ثم اتخذته الحكومة السورية الحاضرة فرعا لثانوية القلمون بعد أن بنت فيه غرفا للتدريس بتبرعات المغتربين النبكيين، وجنوبي الخان جامع صغير من الطراز العثماني، حرمه مربع الشكل تعلوه قبة وفي جانبيه غرفتان صغيرتان ومأذنة غير شامخة، وأمامه رواق له قبب، وهذا الحرم والحديقة بحاجة للترميم والإصلاح .
وفي العام (1964 م ) هدم الخان بشكل كامل ، ولم يبق منه أي شيء وبنيت مكانه مدرسة كبيرة(1).
(1) خانات الطرق بين دمشق وحلب خلال العصرين المملوكي والعثماني، رسالة لنيل الماجستير ( فاطمة هنداوي)