مختارات من الكتب
نيقولاس فان دام : الطائفية في سورية والعوامل الإجتماعية الإقتصادية والإيديولوجية
فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995.
الفصل العاشر – استنتاجات
1- الطائفية في سورية والعوامل الإجتماعية الإقتصادية والإيديولوجية
بالإضافة إلى بعض الإستنتاجات التي تم التوصل إليها في غضون هذه الدراسة، فيمكن طرح النقاط التالية لأكثر من ثلاثين عاماً من حكم البعث في سوريا المسُيطر عليه من قبل العلويين.
1- الطائفية في سورية والعوامل الإجتماعية الإقتصادية والإيديولوجية
إن قيام الطائفية والإقليمية والعشائرية بدور جوهري في الصراع على السلطة لا يقلل من شأن العناصر الأخرى كالعوامل الإجتماعية الإقتصادية والإيديولوجية، أو يتغاضى عنها، بل بالعكس، فقد تم إبراز أهمية الخلفيات الإجتماعية الإقتصادية وإمكانية تطابقها إلى حد كبير مع العوامل الطائفية والإقليمية والعشائرية في حالة الأقليات الطائفية المتماسكة كالعلويين والدروز والإسماعيليين. إن تداخل الاختلافات الطائفية والإقليمية والإجتماعية الإقتصادية قد يقوى ويبرز التباينات القائمة بطريقة متبادلة. ومن الممكن توجيه أو حتى إثارة السخط الشعبي والتوترات الإجتماعية الإقتصادية من خلال قنوات طائفية.
لقد كانت الإختلافات الإيديولوجية جوهرية أيضاً، حتى لم أصبحت الأواصر الطائفية والإقليمية والعشائرية خلال العديد من المواقف المتأزمة هي الوسيلة السائدة للحفاظ على الذات والبقاء في السلطة. فما أن احتكرت جماعة سياسية السلطة وفازت بقاعدة قوية حتى حظيت الأفكار السياسية والإيديولوجية بالألولوية على سياسات السلطة البحتة. إن الذين تم إبعادهم عن السلطة بسبب قيامهم برفض تطبيق تكتيكات طائفية أو إقليمية أو عشائرية، استناداً منهم إلى أسس مثالية، قد حُرموا بالتالي من إمكانية تطبيق مثاليتهم.
أما الذين استغلوا الطائفية والإقليمية والعشائرية كوسيلة للاستيلاء على السلطة أو الاحتفاظ بها، أو الذين اضطروا لإستغلالها من قبل معارضيهم، من أجل حماية أنفسهم، فقد أمكنهم فيما بعد التركيز على برامجهم السياسية ومثاليتهم.
2- التجانس الطائفي والإستقرار والسياسات
لقد تأثرت الفترة ما بين 1963 و 1970 إلى درجة كبيرة بالمنافسات بين الجماعات البعثية المختلفة والمنافسات الطائفية والإقليمية المتعلقة. وما أن تولى حافظ الأسد الحكم في 1970 حتى حظيت النخبة السياسية الحاكمة بدرجة من التجانس الطائفي والإقليمي، أكثر من ذي قبل عندما كانت القوى المتعارضة تتنافس على السلطة، وذلك بغض النظر عن أن هذا التجانس الأكبر انطوى على قاعدة أضيق. ونتيجة لوقوع سوريا تحت سيطرة جماعة سياسية جبارة واحدة ذات جهاز أمني موثوق وفعال بدرجة عالية “وأيضاً فعال من حيث القمع”، تمتعت الدولة باستقرار سياسي داخلي واستمرارية أكثر مما كانت عليه في أية فترة سابقة منذ الاستقلال.
إلا أن ارتباط هذه الاستمرارية بعدم وجود أي تغييرات جوهرية في تركيب النخبة السياسية والعسكرية الحاكمة على مدى 25 عاماً تقريباً كان يعني أيضاً الاحتمال المستقبلي الخطيب لعدم استمرارية النظام، بل وتفككه، في حال زوال قيادته السياسية والعسكرية الطويلة الخدمة. ويبدو أنه لم يتم الإعداد لجيل سياسي وعسكري جديد يتولى زمام الحكم بطريقة سلسلة وتدريجية من البعثيين القادمي التابعين لعهد الأسد، والأكثر من ذلك الإعداد لعملية تحويل ديمقراطي طويلة المدى للنظام.
وفي الفترة ما بعد 1970 أصبحت السياسيات السورية الخارجية أكثر تماسكاً واستمرارية بوجه عام، إلا أنها لم يكن لها أي شأن بالتركيب الطائفي للنخبة الحاكمة.
وفي عهد الأسد نجحت سوريا في أن تصبح قو ة إقليمية عظمى غير خاضعة للمنافسات التقليدية حول السلطة الإقليمية بين البلدان العربية الأخرى بالمنطقة كالعراق ومصر، كما كان الحال في الماضي. وبالتالي، كان لابد لسوريا أن تلعب دوراً أساسياً في أية تسوية عربية إسرائيلية سلمية شاملة.
3- الطائفية بين الواقعية والمثالية
بغض النظر عن أهمية الخط السياسي الذي تبنته القيادة السورية، لابد من ملاحظة أن الأواصر الطائفية والإقليمية والعشائرية كانت هامة بمكان، حيث شكلت على مدى ثلاثين عاماً وأكثر جزءاً لا يتجزأ من بنية السلطة داخل النظام السوري. فبدون الشبكات المنظمة والقائمة على أسس طائفية وإقليمية وعشائرية داخل القوات المسلحة السورية وأجهزة الأمن ومؤسسات السلطة الأخرى، ما كان للبعثيين الذين حكموا سوريا منذ 1963 أن يصمدوا ويستمروا هذه المدة الطويلة. إن إستغلال الأواصر الطائفية والإقليمية والعشائرية لم يكن سوى سياسيات سلطة بحتة وأولية. ومع ذلك، فيمكن اعتبار صلاح جديد وحافظ الأسد بعثيين مثاليين، سعيا منذ الصبا لدى انضمامها لحزب البعث إلى تحقيق مثاليات القومية العربية العلمانية والمثاليات الاجتماعية الإقتصادية. ولكن بعد استيلائهما على السلطة تطورات لديهما سياسيات وأفكار متعارضة، حيث بات الأسد أكثر واقعية وجديد أكثر تطرفاً. والنتيجة النهائية لذلك هي أن رفيقي الحزب السابقين أصبحا منافسين وعدوين دائمين لدى تحملهما عبء المسؤوليات السياسية، ولدى وضعهما موضع التنفيذ تحت أصعب الظروف والأفكار السياسية التي كانت سابقاً بمثابة مثاليات نظرية وإيديولوجية.
ولا يعنى الدور المحوري للأواصر الطائفية والإقليمية والعشائرية في بنية السلطة داخل النظام البعثي أن الحكام العلويين الجبارين المسيطرين وغيرهم كانوا حريصين على استغال هذه الأواصر على سبيل التعمد، أو لم يكن لديهم الرغبة في التغاضي عن تلك الأواصر. ففي الواقع، كان القادة البعثيون الباروزن وغيرهم من البعثيين الأقل شهرة لا يستسيغون على الإطلاق فكرة استغلال الطائفية والولاءات الإجتماعية التقليدية الأخرى، والتي كانت تبدو لهم متخلفة ومتعارضة مع مثالية القومية العربية المساواتية العلمانية.
لقد سعى الكثير من البعثيين العلويين وغيرهم من الأقليات للتخلص من وضعهم كأقليات، كارهين تذكيرهم بصفة مستمرة بخلفياتهم الطائفية، إلا أنهم في الواقع لم ينجحوا في ذلك وباءت أمانيهم بالفشل. ويعزى ذلك جزئياً إلى واقعية سياسيات السلطة في سوريا التي تورطوا فيها منذ بداية تقلدهم زمام الحكم في 1963، ففي عملية تعزيز مراكزهم في المراحل الأولى من الثورة اعتمد القادمة البعثيون كثيراً لأغراض عملية أفراد من مجتمعاتهم تعوزهم المثاليات الإيديولوجية كالتخلص من الطائفية والإقليمية والعشائرية أفراد اعتبروا مثل هذه الأمور سبيلاً لمطامعهم الشخصية. ورغم أن التمثيل العلوي القوى داخل النخبة البعثية الحاكمة خلال المراحل الأولى من توليهم الحكم في 1963 ربما لك يكن له شأن بالطائفية وإنما كان يعني بالإقليمية والعشائرية، فهاذ لم يكن ليمنع السنيين وغيرهم من المعارضين غير العلويين من اعتبار النظام واقعاً تحت سيطرة العلويين أو طائفة الأقلية. وقد كان من الطبيعي أن يقوم السنيون وآخرون من غير العلويين من معارضي نظام البعث العلماني الواقع تحت سيطرة العلويين أن يستغلوا موضوع الطائفية كسلاح لتقويض النظام. وكما سبق وأوضحنا، فإن مثل هذه الهجمات الموجهة ضد العلويين عادة ما كانت تحقق عكس المراد: أي، ازدياد سيطرة العلويين. ففي أثناء عملية استغلال الولاءات الطائفية استطاعت الأفكار السياسية أن تخلق وقائعها الخاصة واستطاعت الطائفية أن تحصل على قوتها التداؤبية الخاصة التي كان يصعب التحكم فيها تماماً فيما بعد من قبل الخبة السياسية المسيطرة(1).
(1) للإطلاع على تفاصيل التوثيق وتوضيح بعض الأحداث أعلاه راجع:
فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995، صـ 188 – 193
اقرأ:
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الأول .. المقدمة :
1- العوامل التي ساهمت في الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية في سورية
2- الإقليمية في سوريا خلال فترة الاستقلال
3- الأقليات الدينية المتماسكة .. العلويون
4- الأقليات الدينية المتماسكة .. الدروز والإسماعيليون
الفصل الثاني: ظهور الإقليات في القوات المسلحة السورية وحزب البعث
1- التداخل الطائفي والإقليمي والعشائري والإجتماعي الإقتصادي
2- التمثيل القوي لأعضاء الأقليات في حزب البعث
3- الحواجز الإجتماعية التقليدية أمام التوسع الطبيعي لحزب البعث
4- الشقاق الحزبي الإنصرافي داخل جهاز حزب البعث المدني
5- انتخابات حزب البعث المحلية عام 1965
6- أعضاء الأقليات في القوات المسلحة السورية قبل عام 1963
7- الاحتكار البعثي للسلطة في سورية 1963
الفصل الثالث: الإستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية بين السنيين والإقليات الدينية
1- التكتل الطائفي والإقليمي والعشائري في النخبة العسكرية البعثية
2- التمييز الطائفي ضد السنيين في القوات المسلحة السورية
3- فشل سياسة الطائفية العلنية كتكتيك.. إبعاد محمد عمران
4- الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1965
5- الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1966
6- التنظيم السري للقيادة القومية المخلوعة عام 1966
الفصل الرابع: تصفية الضباط الدروز ككل منفصلة داخل القوات المسلحة السورية
2- الاستقطاب الطائفي العلوي – الدرزي وإنقلاب سليم حاطوم
3- الدعاية الطائفية ضد العلويين
4- التصفيات اللاحقة لإنقلاب حاطوم الفاشل
5- تصفية الجماعات الحورانية البارزة
الفصل الخامس – الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية
1- التنافس بين حافظ الأسد وصلاح جديد
2- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية قبل عام 1970
3- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية بعد عام 1970
الفصل السادس – الشقاق الحزبي الطائفي والإقليمي في نخبة السياسيين السوريين: تحليل إحصائي
1- تحليل إحصائي لمؤسسات السلطة السياسية السورية 1961- 1995
2- ثورة تاريخية في النخبة السياسية السورية 1963
3- الوزارات السورية والقيادة القطرية
4- العسكريون في القيادات القطرية السورية
الفصل السابع – التحريض الطائفي والمواجهة
1- التحريض الطائفي – مذبحة حلب
2- الدعاية الإعلامية المضادة للطائفة العلوية 1979
3 – تهديدات الحرب الأهلية الطائفية في سورية 1979 – 1980
4- الطائفية والفساد وغياب الانضباط الحزبي 1979- 1980
5 –الفشل البنيوي في كبح الطائفية في سورية 1979 – 1980
الفصل الثامن – المواجهة الطائفية – القضاء على الإخوان المسلمين
1 –تسليح البعثيين ومذبحة تدمر عام 1980
3- الدعاية الدينية السنية ضد العلويين
الفصل التاسع – نخبة السلطة في عهد الرئيس حافظ الأسد
1- الأخوة الأسد
2- نخبة السلطة العسكرية البعثية
3-جهاز حزب البعث المدني.. تحليل إحصائي ..
4- مسألة الخلافة.. أبناء الأسد