مختارات من الكتب
الدمشقيون ودورهم في إجهاض بيع أراضي البطيحة للوكالة اليهودية عام 1934
من كتاب سامي مبيض - "غرب كنيس دمشق"
من كتاب سامي مبيض – “غرب كنيس دمشق” … محاولات صهيونية لاختراق المجتمع السوري :
(اشترت الوكالة اليهودية، في السنوات اللاحقة، الكثير من الأراضي من عائلات سورية ولبنانية. وفي عام 1934م، همس أهالي دمشق بأن صفقة جديدة كانت على وشك أن تُبرم، بين الوكالة اليهودية وعائلة المرحوم عبد الرحمن باشا اليوسف، امير الحج الدمشقي أيام العثمانيين، والذي قُتل على أيدي عملاء فرنسا في حوران في صيف عام 1920م.
كان نجلُه محمد سعيد اليوسف، وهو وجيه بارز درس في فيينا، قد اقترض مبلغاً من مصرف “أصفر وسارة” وصلت قيمته مع الفوائد إلى 12 ألف ليرة عثمانية ذهباً، في مقابل وضع إشارة رهن على أرض في منطقة البطيحة على الشاطئ السوري من بحيرة طبريا، كان قد ورثها عن أبيه، مساحتها 300 ألف دونم[1].
عندما علم حاييم وايزمان بالأمر، اتجه مباشرة إلى دمشق للاجتماع مع ورثة عبد الرحمن اليوسف لفكّ الرهن على أرض البطيحة، بعرض خُرافي وصل إلى 150 ألف ليرة عثمانية ذهباً، شرط ان يشتريها طبعاً للوكالة اليهودية. لا يوجد أي توثيق لزيارة وايزمان لدمشق إلا ذكرها بشكل عابر في أحد التقارير الاستخبارية الموجودة حالياً في الأرشيف الوطني البريطاني، وتم ذكرها أيضاً في إحدى وثائق أرشيف الخارجية الفرنسية. وكل ما تناهي إلينا أنها جرت بسرية تامة ليلة 21 نيسان 1934م، وكان اللقاء بينه وبين سعيد اليوسف في قصر الأخير في حيّ سوق ساروجة خارج أسوار مدينة دمشق القديمة. ويقول التقرير البريطاني إن وايزمان واليوسف اتفقا شفهياً على المبلغ المذكور من دون توقيع أي نص ورقي، وأن وايزمان عبّر عن رغبته في شراء أراضي ممائلة من آل بيهم في بيروت ومن عائلة الأمير سعيد حفيد الأمير عبد القادر. لكن عائلة اليوسف نفت صحة الخبر، وأشارت إلى أن الوكالة حاولت فعلاً شراء أرض البطيحة منها على حياة عبد الرحمن باشا نفسه، لكنه رفض قائلاً: “من المعيب أن تطلبوا مني طلباً من هذا النوع وأنا أمير حجاج دمشق المؤتمن على أموال المدينة وأرزاقها وعلى أهلها أجمعين”[2].
رفضوا بيع الأرض مجدداً إلى وايزمن وجاء الرفض على لسان فايزة العظم أرملة الباشا ووالدة سعيد اليوسف.
اجتمع اليوسف على الفور مع هاشم الأتاسي، رئيس الكتلة الوطنية، وأبلغه بزيارة وايزمان دمشق، مشيراً إلى أنه غادر ليلاً خالي الوفاض.
سارع رجال الكتلة إلى الوقوف في وجه مطامع الصهاينة، وذهب الأتاسي إلى قصر المهاجرين لمقابلة محمد علي العابد، المتزوج شقيقة عبد الرحمن اليوسف، طالباً التدخل من رئيس الجمهورية، وذهب وفدٌ ثاني برئاسة فارس الخوري إلى المصرف الدائن، طالبين منه التريث في تنفيذ البيع على الأرض المرهونة.
أصدر الرئيس العابد مرسومين جمهوريين، مَنع بموجب الأول أي سوري من بيع أرض لمن لا يحمل الجنسية السورية، وأسس عن طريق الثاني شركة مساهمة اسمها «الشركة الزراعية السورية» هدفها «الحفاظ على ممتلكات السوريين وأراضيهم » وتطويرها عقارياً وزراعياً. حُدد رأس مال الشركة بمبلغ 150 ألف ليرة عثمانية ذهباً، أي المبلغ نفسه المعروض من قِبل حاييم وايزمان على سعيد اليوسف، جرى توزيعها على خمسين ألف سهم، طُرحت للاكتتاب العام تح ت إشراف الحكومة السورية، التي كان يرأسُها في حينه حقي العظم، العدو القديم للحركة الصهيونية. شكّل الرئيس العظم مجلس إدارة لهذا المشروع مؤلفاً من تسعة وجهاء سوريين، معظمهم من دمشق، يرأسه المصرفي الفلسطيني الكبير أحمد حلمي باشا، أحد مؤسسي البنك العربي. وضم المجلس الضابط المتقاعد نصوحي البخاري، الذي أصبح رئيساً للوزراء عام 1939 ، والم كّال الكبير نوري الإبيش، المتخرج في جامعة بيروت الأميركية، والذي عُين وزيراً في حكومات حسني الزعيم وأديب الشيشكلي، وكلاً من شمس الدين المالكي) والد الشهيد العقيد عدنان المالكي(، وتوفيق المالكي، وأمين الدالاتي، وإحسان القوتلي، ومحمد النحاس وعبد الرزاق الدندشي، مؤسس عصبة العمل القومي، إحدى أبرز الحركات الوطنية في الفترة ما بين الحربين العالميتين. ومع ذلك،
وبالرغم من القدرة المالية الكبيرة لجميع هؤلاء، والدعم المفتوح لهم من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، فإن الشركة المساهمة فشلت في توفير المبلغ المطلوب، وحُلَّت بعد ستة أشهر، لكن ليس قبل إبطال أي اتفاق مع حاييم وايزمان، فقد سُدد جزء من المبلغ المطلوب للمصارف الدائنة عن طريق صهر عائلة اليوسف الوجيه حسين الإبيش، وأُعيدت جدولة الدين، وبقيت أرض البطيحة مِلكاً لسورية ولآل اليوسف، حتى احتلالها بعد تدمير معظم قُراها من قبل الجيش الإسرائيلي خلال حرب 1967 [3]).
[1] خوري: سورية والانتداب الفرنسي، ص 445 .
[2] لقاء المؤلف مع زهير اليوسف حفيد عبد الرحمن باشا اليوسف (دمشق، 28 شباط 2017 )
[3] الأرشيف الوطني البريطاني، 371 – 2398 ، الملف 17946 ، مرسل من ماكاريث (بيروت) إلى سيمون (لندن) بتاريخ 25 آذار 1934 .