من الصحافة
من صحف 1929: مواقف الأحزاب السياسية .. درس وتحليل

نشرت مجلة العرفان لمراسلها في دمشق مقالاً مطولاً عن الأحزاب السياسية في سورية 1929م، تناول موقف الأحزاب من التطورات في سورية وشرحاً مختصراً عن كل حزب من الأحزاب.
نص المقالة:
أرادني الأستاذ صاحب “العرفان” على موافاة مجلته الراقية شهرياً برسالة أعالج بها ما لم تتمكن الصحافة اليومية من معالجته سواء فيما يتعلق بالشؤون السياسية، أو الاجتماعية، أو الأدبية أو غير ذلك.
أراد الأستاذ ذلك ولا أدري، أتراني أوفق إلى تأدية هذه المهمة الشاقة وأكون عند حسن ظنه؟
أرجو أن يحالفني التوفيق، وأرجو أن أظفر بما يحقق حسن هذا الظن، ورحت أفتش على موضوع أعالجه في رسالتي الأولى فذكرت أني وعدت بكتابة كلمة عن الأحزاب السورية في دمشق. ولذا آثرت أن أدرس في هذه الرسالة ما وعدت به، وإنه لموضوع كما سترى يتطلب أن يكون الكاتب حيادياً نزيهاً طليقاً من كل قيد، لا يعرف للعواطف والهوى أسماً، ولا يفهم للعصبيات والحزبيات معنى وإني لأذكر بهذه المناسبة ما قاله جورج لومر “في استطاعة الإنسان أن يشتري نوعاً من رضي الناس بالتمليق وبسط اليد، ولكن ليس في استطاعته ان يشتري الاحترام بأي شي غير العدل، وهذا هو رضاء للناس الجديرين بالاعتبار”، نعم خليق بمن شاء أن يحترم الحقائق أن يعلم أن العدل هو العامل الرئيسي في طريقه، وأن هنالك ضميراً ينبغي الحرص عليه، وقديماً قالوا من يفقد ضميره لا يمتلك شيئاً يستحق الحفظ، وفي الحق، فإن الشرف والأمانة يقضيان على الكاتب أن يصارح قراءه في غير ما تضليل ولا أعوجاج وإلا كان جباناً لا يستحق شيئاً من الاحترام، وكان شأنه شأن ذلك الذي قال فيه شكسبير “يموت الجبان مرات كثيرة قبل موته ولكن الشجاع لا يذوق الموت غير مرة واحدة”.
وما دمت قد أخذت على نفسي بأن أكون صريحاً عادلاً في بيان الحقائق فلست أبالي بسخط فريق ورضا فريق ما دمت لا أعبأ بشر هؤلاء وخير أولئك، وحسبي أن أحافظ على هذا الضمير الذي لا أملك سواه..”.
والآن فلنحاول تشريح مواقف الأحزاب السورية بشيء من التلخيص والإيجاز، ففي دمشق من الأحزاب: الكتلة الوطنية، حزب الإصلاح، حزب الأمة، حزب الملكية، حزب الاتحاد الوطني، حزب الميثاقين، حزب المجاهدين، وهنالك جمعيات سرية تناصر بعض الأحزاب وتشتغل بالخفاء، ولعل أول من لاحظه المدقق في أمر تأليف هذه الأحزاب أنها جميعاً لا تملك رخصاً رسمية لا من جانب الحكومة المحلية ولا من ممثلي الانتداب، ثم يلاحظ شيء آخر، ذلك أن هذه الأحزاب لا تنفك عن مناصبة بعضها البعض العداء، ومهاجمة بعضها بعضاً مهاجمة تختلف شدة وليناً، فإذا ما تهادنت لمحت قرى هذه الأحزاب توجهت لمهاجمة الحكومة المحلية، ولعبت المعارضة العنيفة دورها وحينئذ يلعب ممثلو الحكومة المحلية دورهم فتراهم تفاهموا مع بعض الأحزاب وأفسدوا المهادنة التي كانت قائمة وترجع الخصومات شراً مما كانت عليه، وتغتبط الحكومة المحلية لهذا الحل السعيد!
على أنه يهمنا أن نعرف موقف السلطة المنتدبة من هذه الأحزاب جملة وتفصيلاً، فليس من شك في أن ممثلي الانتداب راضون كل الرضى في بعض هذه الأحزاب وتلهيها، وان الانتداب يرى في تعدد الأحزاب وتباينها في المشارب والمذاهب خدمة صالحة لتعزيز موقف ممثله في عصبة الأمم، ومن ذا الذي لم يقرأ المناقشات التي دارت بين ممثل الانتداب المسيو روبير دوكه وأعضاء عصبة الأمم؟؟
ألم يستخدم هذه الممثل تلك الفوضى الحزبية لمصلحة حكومته؟؟ ألم يقل أن السوريين ينقصهم النضوج السياسي ومحتاجون إلى بعد النظر وتفهم حقائق الأشياء؟!
وما نحسبنا نقول جديداً إذا قلنا أن هذا الممثل ظفر بإقناع العصبة – باتخاذه من ميدان هذه العناصر الحزبية متكأ، بأن التفاهم مع هذه الجماعات يلقى جملة من الصعوبة بشكل أصبحت معه الحكومة الأفرنسية غير ملومة ومعذورة في ترددها ودرسها الطويل!!
هذه لمحة بسيطة عن مواقف الأحزاب تجاه بعضها نحو البعض الآخر وموقفها أمام الحكومة المحلية وموقفها إزاء الأفرنسيين، بقي علينا أن ندرس كل حزب على حدة ونفهم القرى التي يملكها وموقفه من الرأي العام السوري ومقدار ما يلقى من عطف وتأييد ونصرة ومساعدة، ولا بأس أن نبدأ أولاً بالكتلة الوطنية.
الكتلة الوطنية:
لا نكران في أن الكتلة الوطنية تضم نخبة مختارة من رجال القلم والتشريع والخطابة والوجاهة، وأنها إلى مدة قريبة كانت تملك من أصوات الرأي العام السوري تسعين بالمئة، أما الآن فلا ريب أنها تخسر تدريجياً من عطف الرأي العام وتأييده، ولعل مصدر هذه الخسارة يرجع إلى بعض شباب الكتلة وفريق من رجالها، ذلك أن هؤلاء الشباب وأولئك الرجال لا يحجمون عن نعت مخالفيهم بالخيانة والرجعية لأقل سبب، أضف إلى هذا أنهم لا يستعملون أساليب الحكمة في حق خصومهم مما يجعل الحيادي ينفر من هذه الكتلة التي تحوي هذه العناصر غير المرنة، خذ دليلاً على ذلك، شاهد أحد هؤلاء الشباب، من جماعة الكتلة، شاباً آخر يرافق رجلاً من غير جماعة الكتلة، فما أسرع ما أنطلق يسلق المشاهد بألوان من الشتائم والسباب، وما أسرع ما مضى يسلسل في أصله وحسبه ونسبه إلى أحط السيئات، وشهد الله أن الشاب المشاهد الذي سب وشتم كان وما يزال من أشد أنصار الكتلة ودعائها، ولا ذنب للمسكين إلا أنه صاحب فلاناً من غير جماعة الكتلة هنيهة من الزمن فأضحى يعرف هؤلاء الشباب من أقحاح الخونة وأسافل الرجعيين.
بمثل هذه الأساليب وغيرها تضيع الكتلة من حيث تشعر أو لا تشعر الكثير من عطف الرأي العام حتى بات الناقد البصير يلمس هذا النفور في غير خفاء وحتى صار يسمع من أفواه بعض الناس يجهروا في غير تكتم أن الكتلة التي يعيش في صفها أمثال هؤلاء الشباب خليفة بالأعراض والسخط والنفور والمدهش أنك لا تكاد تفهم ايتبرع هؤلاء الشباب من عندهم بهذه الألفاظ الحقيرة أم أوعز إليهم بذلك إيعازاً؟
وقد درست هذه الناحية فتأكد أن البعض من رجال الكتلة يدفعون هؤلاء الشبان لهذه الحماقات باعتبار أن النضال السياسي لا يتحرج عن استعمال هذه الأصناف، وأن الثقافة والتهذيب قلما ينفعان في محاسنة الخصوم السياسيين، واذن فلا فلاح باستبدال هذه الخطط!
وسواء أكانت هذه الأعمال من جانب شباب الكتلة مباشرة أو أحيت إليهم ايحاء فلا جدال في أن فريقاً كبيراً من الرأي الام السوري انصرف عن تأييد الكتلة ورجالها وأمسيت تلمس الضعف الذي أصيبت به الكتلة لما لا يقبل الحدس والتخمين، وحتى تطرف بعض الحياديين وقال نار الغير ولا جنة الكتلة، وحسبك هذه الأحزاب الكثيرة برهاناً جلياً على مبالغ تكاثر خصوم الكتلة، وقد كانت هذه الأحزاب قبل تأليفها قلباً وقالباً مؤيدة للكتلة، وكثير من رجال هذه الأحزاب كانوا من أقطاب الكتلة نفسها، فانشقوا عنها، وأنت ترى بهذا الانشقاق نفسه برهاناً فصيحاً لا يقبل الرد والتأويل على أن الكتلة أضحت لا تملك من القوى الرهيبة مثل ما كانت تملك في الماضي القريب وإذن فلنسلم بهذه الحقائق البارزة ولنعترف بالوقائع بلا زينة ولا بهرجة.
على أن الحق والواجب يحتمان علينا أن نعلن بصراحة وجلاء إلى أن المواقف المشرفة التي وقفها فريق كبير من رجال الكتلة والمبادئ الوطنية التي يدينون بها هما ولا مراء أفضل شعار أكسب الكتلة شيئاً من حسن السمعة وطول البقاء، ولو لا بعض الشبان الذين شوهوا سمعة الكتلة بما ارتكبوه من ألوان الحماقات لكان لنا في الكتلة كلمة غير هذه الكلمة المؤسفة.
حزب الإصلاح:
أوجزنا كلمتنا في الكتلة فلنتفرغ الآن لدرس موقف حزب الإصلاح وهو الحزب القوي بعد الكتلة، ومن الثابت أنه ينضوي تحت لواء هذه الحزب طائفة أرستقراطية هائلة ذات نفوذ وسلطان عظيمين، ومن هذه الطائفة تجد رجال العلم والوجاهة والمال والأملاك، وأغلب رجال هذا الحزب من شغلوا مناصب عالية في الحكومات السابقة، على أن ماضي هذا الحزب ليس له من مماشاة الرأي العام السوري في عواطفه ما يكفل تغلبه على بقية الأحزاب، بيد أنه على كل حال حزب له شأنه وخطره وقوته، وهذا الحزب هو الخصم الألد للحكومة المحلية والكتلة وخصم ثانوي لبعض الأحزاب التالية، والباحث في حركات هذا الحزب يبصر نشاطاً غريباً في تكوينه وتدعيمه، وان من البلاهة ان يقال ان حزب الإصلاح حزب لا سطوة له ولا نفوذ، واذا كان هنالك من يزعم- طبعاً من خصوم هذا الحزب- إن السلطة المنتدبة تغذيه بالأموال والتعليمات فنحن لا نرى هذا الرأي والواقع الملموس يدحض هذا الزعم دحضاً قوياً، وغاية ما يقال في هذا الحزب أن السلطة المنتدبة تنظر بعين التساهل في أمر تشكيله ونموه، كما تنظر بعين الرضى إلى تشكيل بقية الأحزاب، ولابد لنا من القول بهذه المناسبة إلى أن حركات دبرت من جانب الحكومة المحلية وساعدت عليها الكتلة لإخفاق مساعي هذا الحزب والقضاء عليه فلم تشأ السلطة المنتدبة أن توافق على هذه التدابير بل أوحت بحيادها إشارة إلى ارتياحها بأن تشتغل الأحزاب جميعها في حرية ما دامت لا تعادي الانتداب وترغب في التعاون والتفاهم.
ومن هنا يسعنا أن نكون فكرة صالحة عن رأي الدولة المنتدبة في الأحزاب وبنوع خاص في حزب الإصلاح، وذلك أن هذه الأحزاب طالما أنها لا تهاجم مصالح الدولة المنتدبة مهاجمة فعالة -لاحظ معنى كلمة فعالة، وطالما أنها مسترسلة في معاداة بعضها بعضاً فأي بأس في أن يكون بالبلاد أحزاب متعددة؟؟ بلى لا بأس إذن في هذه المعارضات مادامت لا تمس مصالح الانتداب ولا تخدشها، ولما كان حزب الإصلاح ولم يتطرف في مطاليبه، وكان موالياً للسلطة المنتدبة أكثر من غيره من الأحزاب، وكان شعاره الحزبي خذ ما أمكن أخذه ثم طالب ضمن دائرة الاعتدال، لذلك كان من الطبيعي ان يستأنس الفرنسيون برجال هذا الحزب ويركنوا إليه قبل سواه، ولا حرج في أن تبذل له من المساعدات الأدبية مالا يبذل لسواه من الأحزاب المتطرفة، فهو والحالة هذه اقرب إلى التساهل من بقية الأحزاب والتفاهم ولأنه مؤلف من رجال لهم مكانتهم وقوتهم في المجموع السوري، فلا جرم إذن أن يقال أن حزب الإصلاح يصافح الفرنسيين مصافحة الراغب في التعاون والتفاهم، ولكن الخطأ كل الخطأ أن يقال ان الانتداب يغذي هذا الحزب بالمال وغير المال.
ثم ليس من الإنصاف في شيء أن يقال أن حزب الإصلاح يخدم الرجعية ويخون البلاد وإنما الإنصاف أن ندرس المذهب السياسي الذي يحمل علمه هذا الحزب فإن كان ملائماً لحالة البلاد أقبلنا على نصرته وحمايته، وأن كان مغايراً أعرضنا عنه، وكفى الله المؤمنين القتال، أما أن نتناول الشخصيات بأسمائها ونعرض فيها تعويضاً قاسياً معيباً فذلك هو الإجرام بعينه، وما كانت البذاءة لتصلح في يوم من الأيام لتقويم المعوج وإصلاح ما أفسده المفسدون!
ويجب أن لا ننسى أن فريقاً كبيراً من الناس سئم الوعود والمماطلات المملة وإدراك أن التطرف لا جدوى منه ولا نتيجة، لذلك كان الإقبال على تأييد حزب الإصلاح مدهشاً بالنظر لعدم تطرفه وتوقع نيل قسم كبير من مطاليب البلاد على يده، وهذا تطور جديد في عقلية الرأي العام السوري يجب أن لا نغفل ذكره.
وبالجملة فهذا الحزب يتقدم بخطوات متوالية إلى الأمام وأمسى بفضل اتحاده مع حزب الملكية والاتحاد الوطني يملك قرى رهيبة لا يسع الباحث المدقق اغفال ذكرها.
ومهما يكن من الأمر فلا يمكنا بحال من الأحوال التنبأ بمصير هذا الحزب.
قلنا كلمتنا في الكتلة الوطنية وحزب الإصلاح وها نحن أولاً نتعرض لحزب الأمة، هذا الحزب كان يتمتع بنفوذ غير قليل في المجموع السوري وبذلك في بدء تأسيسه، غير أنه تضعضع في الآونة الأخيرة وتفككت قواه حين حالف الحكومة المحلية محالفة سرية وحين شرع يمثل دور الحيادي المتفرج، ولعل أهم ما يؤخذ على هذا الحزب أن أعضاءه غير متجانسين سياسياً إلا أن المصالح التي يؤملونها تجعلهم يخضون ولو مؤقتاً للظهور وبمظهر الحزب المتفق المتجانس!
ولما كان لهذا الحزب أو لبعض أعضائه شبه صلة قوية بالحكومة المحلية وكان حزب الإصلاح بالاشتراك مع حزبي الملكية والاتحاد الوطني يناوئ الحكومة المحلية مناوءة متصلة عنيفة مما أحرج موقفها ومها لم تر بدا من تحريض حليفها حزب الأمة لذا تهادن حزب الأمة مع الكتلة وانضم لمحاربة حزب الإصلاح وحلفائه خدمة للحكومة المحلية. ومن هنا تقرأ في مواقف هذه الأحزاب ان حزب الإصلاح في الاشتراك مع حلفائه يهاجمون الحكومة المحلية والكتلة وحزب الأمة بينما نجد في الصف الثاني الكتلة وحزب الأمة والحكومة يعملون لإسقاط هذه الأحزاب المتحالفة، والحرب وما تزال قائمة بين هاتين الجبهتين القويتين ولا ندري لمن يكتب النصر والفوز والظاهر ان العلائق توترت بين حزب الأمة والحكومة المحلية في الأيام الأخيرة وطرأ عليها ما غير مجرى الحال لذلك عاد حزب الأمة لاستئناف هجومه على الحكومة المحلية وظل مهادناً الكتلة.
غير أنه يلزمنا هنا ان نعرف الشخصيات التي يتكون منها حزب الأمة، والحق يضطرنا إلى القول بأن شخصيات هذا الحزب لا تملك من المواهب والكفآت مثل ما يملك رجال الكتلة ورجال حزب الإصلاح.
والأصح ان يقال ان هذا الحزب يتألف من شخصيات حظها من العلم والمال والوجاهة ليس مما يوجب الاغتباط! اللهم ألا إذا استثنينا افراداً قلائل، وحتى هؤلاء الأفراد يستخدمون شهرتهم في الأوساط الأمية أكثر مما يستخدمون كفاءتهم وأهليتهم، وعلى كل حال فحزب الأمة ذو تأثير ثانوي على بعض الأفراد ولا يمكن اعتباره حزباً خطيراً كالكتلة أو حزب الإصلاح سيما اذا تذكرنا الشخصيات التي انسحبت من صفوفه.
الحزب الملكي:
انتهينا من الكتلة وحزب الإصلاح وحزب الأمة فعلينا ان ندرس الحزب الملكي، وهذا الحزب لا يحوجنا إلى التبسط الطويل في حركاته، فهو حزب مؤلف من شخصيات بارزة من رجال الجندية الذين شغلوا مراكز رفيعة ورجال القلم والصحافة والعلم وهذا الحزب يشتغل الآن مع حزبي الإصلاح والاتحاد وليس شك في أن هذا الحزب يلقى نصرة وتأييداً من جانب لا بأس به من الرأي العام السوري.
حزب الإتحاد الوطني:
أجملنا القول في الكتلة وحزب الإصلاح وحزب الأمة وحزب الملكية فلنعجل بدرس حزب الإتحاد الوطني، هذا الحزب مؤلف من شخصيات قليلة من رجال العلم وشخصيات غير قليلة من رجال الوجاهة والضباط المتقاعدين، ويشتغل بالإشتراك مع حزبي الإصلاح والملكية ويعتبر هذا الحزب من الأحزاب الثانوية، ثم أن الحقيقة تلجئنا إلى القول بأن هذا الحزب لا يلقى تعضيداً كافياً من الرأي العام السوري وإنما يؤثر تأثيراً موضعياً في بعض الأحياء، وحدير بنا ان لا ننسى أن زعيم هذا الحزب يعد من رجال المحاماة اللامعين في سوريا، ولولا بعض الخطيئات التي ارتكبها في انتخابات المجلس التأسيسي حين كان وزيراً للداخلية لكان من المنتظر أن يكون لهذا الحزب شأن عظيم غير شأنه الحاضر، ولكن ماذا تصنع مع الأقدار، ومن يدري فربما تباغتنا الأيام بعجائب قلما تخطر ببالنا..
حزب الميثاقيين وحزب المجاهدين:
المنا بقدر الإمكان إلى مواقف الأحزاب ولم يبق لدينا إلا حزب الميثاقيين وحزب المجاهدين وهذان الحزبان تقريباً من فصيلة واحدة وينشدان هدفاً واحداً مع اختلاف بسيط جزئي لا يكاد يذكر، ثم أن هذين الحزبين غير متشابكين مع الأحزاب الآنفة الذكر بمهاجمات ومعارضات قوية اللهم إلا إذا استثنينا الكتلة فإنما يهاجمانها مهاجمة غير متصلة ولا منفصلة أي أن المناوشات قائمة حتى الآن، وأغلب رجال هذين الحزبين من الذين اشتركوا في الثورة السورية والذين ساعدوا على اضرامها، ثم ان موقفهما تجاه الحلف الإصلاحي موقف محايد إذا لم نقل موقف العاطف، كما ان موقفهما مع الحكومة المحلية ليس موقف معاداة صريحة، ونريد الا يفوت القارئ إلى أن الغطرسة والأنانية اللتان تظهران من بعض جماعة الكتلة حملتا هذين الحزبين على معاداتها والحدب من بعيد على رجال الحلف الإصلاحي، واذن فهما يكرهان الكتلة ويضمران لها الشر والفتك، ولولا ان الحلف الإصلاحي يحارب الكتلة في جملة ما يحارب لكان لهذين الحزبين موقف غير هذا الموقف ولكنا توقعنا ان يقوما بالدور الذي يقوم به الحلف الإصلاحي، ويجب أن لا نجهل ان رجال هذين الحزبين يقدسون الزعيم الكبير الدكتور عبد الرحمن بك شهبندر تقديساً عظيماً، وعلى ذكر معالي الشهبندر لابد لنا من ابداء كلمة موجزة.
لما كان الزعيم الشهير الدكتور الشهبندر يستطيع في تأييده لأحد الأحزاب أن يجعل للحزب المؤيد مكانة ومتعة يقوى معهما من الغلبة على الأحزاب جميعاً ويحتل مركزاً رفيعاً في نفوس الرأي العام السوري لأن الدكتور الشهبندر من أنصاره ودعاته لذلك فقد أخذت الأحزاب السوري تخطب وده وتترضاه لتتفاخر أمام الرأي العام بأنه في جملة رجالها وهكذا فكل حزب يدعي صلته المتينة بالشهبندر، ولما كان الدكتور شهبندر قد نشر نداء في الأيام الأخيرة دعا فيه الأحزاب السورية إلى الاتحاد والقضاء على المنافسات الحزبية حرصاً على توحيد كلمة الأمة بمناسبة تبدل السياسة البريطانية في الشرق العربي ووقوف البلاد السورية على أبواب أنقلاب سياسي قريب، وعلق رجال الكتلة على هذا النداء بشكل فيه شيء من البرودة والفتور لهذا وجد خصوم الكتلة فرصة سانحة لإقناع الرأي العام السوري بانحياز الشهبندر لصفوفهم وحملوا على الكتلة حملة لوحوا فوقها براية الشهبندر، وشعر الكتلويون بما يهدد كيانهم إذا انضم فعلاً لخصومهم لذا قرروا ملاقاة غلطتهم ومضوا يلتمسون من أحد أعوان الدكتور شهبندر اصدار بيان باسمه، وبالفعل كان البيان ونشرته صحف الكتلة غير أن هذا البيان لم يكن ذا قيمة عملية ولم يؤثر التأثير المطلوب في نفسيه الرأي العام، وأدرك الكتلويون قيمة هذا البيان فاستأنفوا مضيهم إلى أحد رجالهم الذي كان صديقاً له وزميلاً في حزب الشعب ان يكتب إليه وأن يلح عليه بوجوب إصدار بيان بتوقيعه الخاص يؤيد فيه رجال الكتلة ويتبرأ من الأحزاب الأخرى، وجاء الجواب ونشرته صحيفة الكتلة وإذا به عتاب وإذا به لم يوكل مخلوقاً ليتكلم باسمه، وإذا به لا يناصر من تحدثه نفسه بالتنازل عن أي حق من حقوق البلاد الجوهرية، وراح كاتب الكتلة يفسر من هذا الجواب ما يلائم مصلحة الكتلة وأنه ضد هاتيك الأحزاب، وراح خصوم الكتلة يتأولون من هذا الجواب نفسه بأنه ضد الكتلة وفي جانب مصلحتهم، والحق أن الجواب كان مصاغاً في أسلوب يدل على مهارة ودهاء سياسي عظيمين، فإنه لم يتعرض بصراحة إلى أحد الأحزاب وإنما غمز من قناة الدخلاء، ومن هم الدخلاء؟
والآن فإن اسم الدكتور في تشاد بين هذه الأحزاب، والدكتور لا يحب أن ينتسب لأحد منها بالوقت الحاضر، والأرجح أن يعضد المجاهدين والميثاقيين أكثر من بقية الأحزاب.
المراجع والهوامش:
(1). مجلة العرفان، العدد الصادر في الأول من تشرين الثاني عام 1929م،صـ 474- 482
المراجع والهوامش:
(1). مجلة العرفان، العدد الصادر في الأول من تشرين الثاني عام 1929م،صـ 474- 482
