مقالات
حسن الحكيم واقتراح إنشاء مجلس للشيوخ في سورية
طُرحت فكرة تشكيل مجلس الشيوخ في سورية عام 1952م قبيل إجراء الانتخابات البرلمانية عام 1952م. ففي مطلع نيسان عام 1952 صرح الزعيم فوزي سلو رئيس الدولة السورية عن قرب إجراء الانتخابات النيابية في البلاد، وعلى إثر ذلك اقترحت بعض الأوساط ذات الرأي خفض عدد النواب في المجلس المقبل، وإنشاء مجلس شيوخ على أن لا يتجاوز عدد أعضاء المجلسين الستين عضواً ينتقون من أصحاب الكفاءات والمؤهلات.
أثير الموضوع في أحد إجتماعات الجمعية التأسيسية التي عقدت في شهر أيار عام 1952م، حين نوقش الكتاب الذي أرسله حسن الحكيم رئيس الوزراء السابق في العشرين من أيار عام 1952 إلى الجمعية والذي يقترح فيه إنشاء مثل هذا المجلس.
وجاء في نص الكتاب ما يلي:
(إني لا أرى بداً من لفت نظر الجمعية الكريمة شخصياً إلى فكرة حيوية هامة بشأن السلطة التشريعية وهي أن مشروع الدستور نص في فصله الثالث على نظام المجلس الواحد مع أن نظام المجلسين هو النظام السائد لدى معظم الدول بالنظر لما له من المزايا العديدة وهناك دول جربت المجلس الواحد ثم عدلت عنه، حتى أن جارتنا تركيا التي تمسك العمل بهذا النظام منذ عام 1923 تعمل الآن للعدول عنه.
وفي هذا دليل كاف على أفضلية نظام المجلسين، وإذا كان ما يؤخذ على هذا النظام هو أنه يعوق التشريع ليس إنجاز القوانين بكثرة وسرعة بل إيجاد قوانين عادلة وقوية. وهذا ما يكفله نظام المجلسين، أما المزايا الأخرى لهذا النظام فأهمها أنه يحول دون استبداد السلطة التشريعية في التقنين بحيث إذا اشتط المجلس الواحد أوقفه المجلس الآخر.
ويكفل عدم تجاوز الاختصاص إذ كثيراً ما تعتدي الهيئة التشريعية إذا كانت مكونة من مجلس واحد على السلطات الأخرى وخاصة على السلطة التنفيذية، كما أنه يقلل من الاصطدام الذي كثيراً ما يحدث بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية فيقوم المجلس الذي لم يكن طرفاً في الخلاف بدور ألطف للنزاع أو الحكم.
هذا وإن نظام المجلسين يؤدي كذلك إلى منع الخطأ والتسرع في التشريع لأنه إذا أخطأ أحد المجلسين سارع الآخر إلى تلافي ذلك الخطأ عند عرض الأمر عليه خصوصاً في سن القوانين التي تتناول أحكام الشرف والثروة والدم. وهو مستقبل الأمة والتي قد يناقشها مجلس النواب تحت تأثير انفعالات نفسية أو تحت تأثيرات لا تؤدي إلى الخير، وليس من المعقول أن يجد المواطن الذي تطلب معاقبته على أصغر الجنح ضماناً للعدل في ثلاث محاكم مستقلة ومتفاوتة الدرجات ويبقى مجلس النواب مستأثراً بالسلطة التشريعية دون أن يكون هناك مجلس تشريعي آخر يتلافى أخطاءه إن أخطأ أو تسرع لاسيما في الأمور الحيوية الهامة.
وأخيراً إذا كان المجلس الواحد ينتخب بالاقتراع العام تمشياً مع مقتضيات الديمقراطية وكانت جمهرة الناس كثيراً ما تنتخب بدوافع ميولها أو بمجرد حكمها السطحى على المرشحين إلا بدافع اختيار الأكفاء منهم فإن انتخاب المجلس الآخر بشروط معينة تراعى فيها السن والقدرة السياسية والكفاءة العلمية، والماضي المجيد في خدمات الدولة والوطن مثلاً أو أخذ بعض أعضائه ممن توفرت فيهم مثل هذه الشروط بطريقة التعيين من شأنه أن يسمح بإيجاد الكفاءات المطلوبة والنضوج السياسي والرزانة وخبرة الزمن.
وليس في أخذنا بنظام المجلسين ما يؤثر على الميزانية العامة فيما إذا لجأنا إلى تجديد عدد النواب وجعلنا عدد أعضاء مجلس الشيوخ بنسبة ثلثهم أو ربعهم.
ولذلك أرجو من مقام الرئاسة طرح هذه الفكرة على الجمعية التأسيسية حتى إذا تفضلت بإقرارها سارعت إلى تقديم الاقتراح اللازم بشأنها كي يصار إلى تعديل المواد المتعلقة بهذه السلطة على أساسه)(1).
(1) صحيفة الحزيرة، عمان، العدد 1829 الصادر في 9 نيسان عام 1952