مقالات
نورالدين عقيل: نظام الري القديم في يبرود
نورالدين عقيل – التاريخ السوري المعاصر
كانت يبرود سابقا وقبل جفاف ينابيع بحيرة قرينا ومنذ عدة قرون تتمتع بنظام ري وتوزيع مياه ينابيع هذه البحيرة من أجل ري وسقاية الأراضي الزراعية الممتدة من أسفل البحيرة وحتى منتصف المسافة بين يبرود والنبك مختلف عن بقية أنظمة الري المتبعة غالبا في باقي القرى والبلدات الزراعية السورية من حيث ملكية الأرض المروية وملكية استثمار مياه الري .
في باقي المناطق تنتقل ملكية الأرض المروية بالارث اوالشراء اوغيره مع حق استثمار المياه التي ترويها سواء كانت من أنهار او ينابيع او اقنية رومانية ، بينما في يبرود فملكية الأرض مستقلة عن ملكية الماء فهناك من يملك الارض والماء والبعض يملكون الأرض دون ماء والبعض يملك الماء بدون أن يملك الأرض، وهذه الفئة تؤجر حصتها من الماء لباقي الفلاحين وخاصة لمن يملك الأرض دون ملكية ماء .
نظام الري في يبرود هو نظام معقد لا يكاد يلم به ويعرفه الا القليل جدا من الفلاحين ، وحاليا لم يبق أحد منهم الا ما ندر ، هذا النظام ربما وجد منذ العصر الروماني وما بعده ، ومن المعروف أن العرب بعد الفتوحات قد استفادوا من أنظمة الري البابلية في العراق والرومانية في بلاد الشام وعملوا بها واحيانا طوروها حسب المصلحة والضرورة . والعرب المسلمون نقلوا أنظمة الري هذه معهم الى الأندلس في اسبانيا .
ومن الملفت للنظر أن نظام الري القديم في يبرود يشبه الى حد كبير نظام الري المتبع للآن في مدينة ( بلنسيه ) في اسبانيا ، كما وانه من المعروف عند أهل بلنسية أن نظام الري عندهم هو عربي قديم .
هناك تعابير ومصطلحات وتسميات خاصة ومنفردة كان يستخدمها الفلاحون في يبرود منها :
القسمة – الساعة جدود او الساعة الرملية – الساعة الدقاقة – المصرية – الكسر – كسر كراية – كسر بيع – شد المي ( الماء) – المياه المحلولة – شيخ المي ( الماء ) – الشاوي وغيرها :
القسمة : كانت مياه يبرود موزعة على ( 32 ) حصة لسقاية الاراضي الزراعية تسمى الحصة الواحدة قسمة
الساعة جدود او الساعة الرملية : وتساوي (80 ) دقيقه زمنية ، وساعة الجدود تساوي ٤٠ مصرية
المصرية : تساوي ( 2 ) دقيقة زمنية .
الساعة الدقاقة : وتساوي ( 60 ) دقيقة زمنية
يوم كسر كراية : وهو قطع الماء عن النهر من أجل تنظيفه ليوم واحد
يوم كسر بيع : وهو حق شيوخ الماء في بيع ماء السقاية ليوم واحد
شد المي ( الماء ) : هو بدء موسم السقاية في اول ايام آذار من كل عام
المياه المحلولة : وهي المياه الحرة لاستعمالها من يشاء وتبدأ من ٢١ تشرين الثاني وتنتهي في آخر يوم من شباط من كل عام
شيخ المي ( الماء) : وهو احد اعضاء لجنة الماء المؤلفة من أربعة اعضاء عن كل حي من أحياء البلدة شيخ والمسؤولة عن مراقبة التوزيع العادل وتحديد أيام الكسور
الشاوي : وهو حارس الماء لمراقبة ري كل حصة وعدم التلاعب او السرقة والمفروض حتما إما ان يكون من حي الصالحية او القاعة .
مياه ينابيع بحيرة قرينا كانت تروي من مخرجها من البحيرة في نهر يتجه نحو البلدة ، كانت تروي الأراضي الزراعية الممتدة من اسفل البحيرة وحتى الأراضي المعروفة بالخاص والكروم البرانية على طريق يبرود – النبك .
ويتفرع مجرى النهر عند مكسور الرويس جانب مسجد الشيخ علي في الرويس الى عدة فروع احدها يتجه نحو وسط البلدة ويمر في السوق ومنها يتابع جريانه لري اراضي حي الصالحية ، وآخر يتجه نحو حي القاعة الى باب الحمام ويتابع جريانه لري أراضي القاعة بعد ان يمر على عدة مطاحن لطحن الحبوب بقوة الماء
واهم المزارع التي كان يرويها نبع قرينا هي مزارع الوادي وكرم بحلق والعريض ومسكور العريض والبياض وسيق الفوقاني والغاطوس وبين الشجر والبركة والخاص وتحت الجسر والحواري وسكر البستان وعقوزا والصوانه والكروم البرانية وغيرها مما فقدته ذاكرتي .
وكانت مياه نهر قرينا يتوزع الى اربعة أقسام وكل قسم يدعى المسقى الذي غزارته (8) انش تقريبا وعندما تشح المياه تقسم الى ثلاثة مساقي وذلك عند مخرج النهر من جامع الرويس كما تم ذكره بحيث ان كل حي من أحياء يبرود الاربعة ينال نصيبه من فرع خاص ، وغالبا ما كان فرع حي القامعية يؤخذ من مجرى النهر الأساسي قبل وصوله الى مقسم الرويس .
أما ملكية الماء فكانت تتوزع الى 32 قسمة وهي :
1 – قسمة صوان 170 – قسمة الجمل
2 – قسمة صيبعه 18 – قسمة يزبك
3 – قسمة نورالدين 19 – قسمة صوفان
4 – قسمة أبو راس 20 – قسمة فتح الله
5 – قسمة السلطنة 21 – قسمة حسن باشا
6 – قسمة حداد 32 – قسمة ابو خرنوب الصغيرة
7 – قسمة الشايب الكبيرة 33 – قسمة الميزان
8 – قسمة ابو خرنوب الكبيرة 24 – قسمة الشايب الصغيرة
9 – قسمة الأعور 25 – قسمة عقيل عمار
10 – قسمة شرف الصغيرة 26 – قسمة شرف الكبيرة
11 – قسمة عقيل معتوق 27 – قسمة خرب
12 – قسمة الأبرص 28 – قسمة سرحان
13 – قسمة الشيخ غرلي 29 – قسمة الشيخ عائشة
14 – قسمة الخماش 30 – قسمة رومية
15 – قسمة حمدان الشوام 31 – قسمة حمدان غرلي
16 – قسمة التيماني 32 – قسمة ابو حسن
ومن المؤكد أن هذا التوزيع على هذا الشكل وحسب أسماء العائلات التي كانت تقطن يبرود ولها أراض زراعية مروية بمياه نبع قرينا ، واظن أن هذا التوزيع جرى منذ منتصف القرن الثامن عشر الميلادي على الأغلب ، ( على حسب ما أعلمني به السيد محمد صيبعة من حي القاعة وأنها تعود لسنة ١٧٦٥ ميلادية وانه يملك وثيقة بذلك ، أرجو منه نشرها مشكورا ليطلع عليها أبناء يبرود ) ولكن كيف ومن الذي اجرى هذا النظام فمن غير المعروف حاليا لعدم وجود الوثائق المادية لدي حول ذلك حاليا .
والملاحظ أيضا ان بعض العائلات التي ورد ذكرها ليس لها وجود حاليا إما أنها قد انقرضت أو هاجرت او قد تبدل أسمها ، علما ان هذا التوزيع قد جرى حسب العائلات التي تملك أراض زراعية مروية .
كل قسمة كان نصيبها من الري او السقاية (12 ) ساعة جدود او (480 ) مصرية أي (16 ) ساعة زمنية ، وحصة القسمة تأتي مرة نهارا كل ثمانية أيام واخرى ليلا كل ثمانية ايام .
كانت مياه الري تستثمر سنويا منذ صبيحة اليوم الاول من شهر آذار ( ويسمى يوم شد الماء ) الى غاية يوم العشرين من شهر تشرين الثاني ، وتصبح بعدها حرة ( محلولة ) الى نهاية اليوم الاخير من شهر شباط .
وتقسم الى موسمين :
1 – الموسم الشتوي يبدأ في اليوم الاول من شهر آذار ومدته ( 98 ) يوم وينتهي في اليوم السادس من شهر حزيران ، وكان يعادل ثلاث دورات ( قلبات ) حيث ان كل ( 32 ) يوم دورة أو قلبه ، ويتم في هذا الموسم يوم كسر كراية ( لكراية مجرى النهر ) و يوم كسر بيع ( يستفيد من بيعها شيوخ الماء ) .
2 – الموسم الصيفي ومدته ( 167 ) يوما ويعادل خمسة دورات او قلبات ، ويتم خلاله يوم كسر كراية ، وكل ثلاثين يوما يتم فيه يوم كسر بيع .
3 – المياه المحلولة ( الحرة ) وتمتد من صبيحة يوم الحادي والعشرين من تشرين الثاني ولغاية آخر يوم من شهر شباط من كل سنه ومدتها ( 100 ) يوم ، وفي هذه الفترة تصبح ملكية الماء مشاعة لأن الفلاحين في هذه الفترة ليسوا بحاجة لري أراضيهم إلا نادرا .
كان يدير شؤون هذا التوزيع للماء لجنة مؤلفة من أربعة أعضاء تدعى (شيوخ الماء) تمثل أحياء البلدة من كل حي واحد من الشيوخ مهمتها الإشراف على التوزيع بالعدل وتحديد ايام المواسم وايام الكسور ومعاقبة المعتدين ومن يقوم بسرقة الماء من الفلاحين وفرض العقوبات المالية المناسبة .كما ان هناك وظيفة الشاوي وهو حارس الماء والمفروض حتما إما ان يكون من حي القاعة او الصالحية .
انظر:
نورالدين عقيل: رمضان في ماضي يبرود
نورالدين عقيل: أشهر الحلويات الشعبية في يبرود
نورالدين عقيل : خميس الأموات ونوبات المشايخ في ماضي يبرود