المحاصيل الزراعية في سورية
التبغ والدخان في سورية
زراعة الدخان في سورية
تبغ اللاذقية أبو ريحة .. لمحة تاريخية عن التبغ في منطقة اللاذقية
يُزرع التبغ المسمى “أبو ريحة” (أي المعطّر)، فقط في منطقة اللاذقية، ولا يتواجد في أي مكان آخر. إلى حد أنه في بض المدن في أوروبا وأمريكا ، لا تستخدم كلمة” اللاذقية ” لتحديد الميناء الرئيسي للاقليم السوري، ولكن للدلالة على هذا التبغ الأسود المدخن موضوع الدراسة الحالية.
هذا التبغ ، المسودّ بفعل دخان الأغصان العطرة ، تم اكتشافه من خلال حكاية يرويها سكان المنطقة حتى يومنا هذا. هذه الحكاية ، التي تنتقل من فم إلى فم منذ فترة طويلة، هل لها أساس تاريخي؟ لقد وجدنا الرواية في مؤلّف مخطوط (باللغة العربية) مكتوب في عام : 1873. وهو تاريخ اللاذقية لالياس صالح. هوذا النص الذي ما زال غير منشور:
في عام 1744 بعد الميلاد، تمرّد سكان جبال النصيرية (أي سلسلة جبال العلويين التي تحد محافظة اللاذقية الحالية من الشرق) ضد الحكومة ولم يتمكنوا من بيع محصول التبغ لذاك العام ، بسبب انقطاع المواصلات بينهم وبين المدينة. علقوا التبغ في سقوف مساكنهم وبقيت هناك مع حلول الشتاء. وكعادتهم أشعلوا النار في بيوتهم لحماية أنفسهم من البرد. التصق الدخان بالتبغ الذي أسودّ، وفي العام التالي تصالحوا مع الحكومة واستؤنفت المواصلات مع المدينة، وكما في الماضي، باع سكان الجبل لتجار المدينة هذا التبغ بسعر زهيد بسبب سواد مظهره . ارسل الى دمياط كما في الماضي، وقد وافق هذا التبغ الاسود والمعطر ذوق المصريين. ولاقى رواجا كبيرا وسرعان ما اصبح مطلوبا بكثرة. عندما علم التجار بذلك، نصحوا في اللاذقية أهالي الجبال بتعليق موسم الحصاد للعام التالي وتبخيره كما في العام السابق. منذ ذلك الحين، اصبح سكان الجبال كل عام يعالجونه بهذه الطربقة. وهو معروف حاليًا باسم “أبو ريحة” الجبلي : ( ” الياس صالح تاريخ اللاذقية” ، المجلد الأول ، الصفحات 148 – 149(
اللنص كما ورد حرفيا في مخططوط الياس صالح ” وفي سنة 1744 مسسيحية، اظهر اهل الجبال النصيرية (أي سلسلة جبال العلويين التي تحدّ محافظة اللاذقية الحالية من الشرق) العصيان على الحكومة فلم يتمكنوا من بيع محصول تلك السنة من التبغ بسبب انقطاع المواصلة بينهم وبين اهل المدينة فعلقوه في سقوف بيوتتتهم ودخل عليهم الشتاء وهم على هذه الحال فجعلوا يودون النرر في البيوت كعادتهم في كل شتاء لإصطلاء ئ من البرد فىالتصق دخانها بالتبغ المعلق بالسقوف فاسودّ لونه، وفي السنة التالية اصلحوا امورهم مع الحكومة ورجعت المواصلة بينهم وبين اهل المدينة الى ما كما كانت من قبل ، فاشترى منهم التجار ذلك التبغ بثمن بخس لاسوداده وتغير هيئته بالتدخين وارسلوه الى دمياط كجاري عادتهم فوافق طعمه ورائحته مذاق المصريين وراجت سوقه عندهم وجد طلبه عند سماع ذلك ، فلما علمت تجار اللاذقية بذلك اشارت على أهالي الجبال ان يعلقوا محصول السنة التاليةة ويدخنوه كالذي قبله ومن ذلك الحين جعلوا يعالجونه على هذه الصفة كل سنة وهو التبغ اللمعروف الآن بالجبلي او الابوريحة ” (إلياس صالح: تاريخ اللاذقية” ، المجلد الأول ، الصفحات 148 – 149 ).
من هذه الحكاية ” يتضح أن دخان أبو ريحة ظهر خلال عام 1744، وهي الدفعة الأولى تم إرسالها إلى دمياط في مصر، وأنه حتى قبل ذلك التاريخ ، كان تجار اللاذقية يشحنون بشكل منتظم التبغ (غير المدخّن). وهذا يدفعنا إلى الاعتقاد أن تجارة التبغ بين سوريا ومصر تعود إلى ما قبل عام 1744.
استمر تصدير التبغ من اللاذقية منذ ذلك الحين. بالفعل، هناك رسالة من قنصل فرنسا في طرابلس بتاريخ ايلول في عام 1777، تُعلمنا أنه قامت في اللاذقية جالية صغيرة من قباطنة سفن فرنسية، والذين احتكروا حمولات التبغ. (شارل رو: مقاييس سوريا وفلسطين في القرن الثامن عشر ص 121 .
(Charles-Roux: “Les Echelles de Syrie et de Palestine au XVIIIe siècle”)
فيما بعد، كتب الرحالة الفرنسي فولني Volney عندما زار اللاذقية عام 1784 أن المدينة منصرفة إلى تجارة كبيرة جدًا تتكون في المقام الأول من التبغ الذي ترسل منه سنويًا عشرين شحنة إلى دمياط وتستورد من مصر بالمقابل ارزّا. (فولني: رحلة إلى سوريا، طبعة 187 ص 160 Volney: “Voyage en Syrie” éd. de 1787).
في عام 1813، زارت السيدة الشهيرة ستانهوب Stanhope اللاذقية، وهي سيدة إنجليزية لا تزال رحلتها إلى الشرق تشغل المؤرخين . ويكتب الطبيب الذي يرافقها في أسفارها متحدثًا عن اللاذقية: “التبغ الذي يشكل مادة هامة للتجارة والتصدير، لا يُزرع في الضاحية المباشرة للمدينة ، انما في الجبال. ومعروف باسم أبي ريحة وله رائحة خاصة بسبب تعريضه للدخان بطريقة خاصة” (د. تشارلز ميرتون Charles Merton : “رحلات”Travels ).
كتب الرحالة الفرنسي بوجولا Peaujolat الذي مر باللاذقية عام 1831: “تبغ اللاذقية، عذب، عبق الرائحة، أفضل وأشهر ما في الشرق يزرع في الجبال المجاورة التي يسكنها الأنصاريون. هذه العشيرة تبيع كل عام من التبغ ما يساوي من خمسة إلى ستة آلاف قرش. يعطي الأنصاريون تبغهم الرائحة الحلوة واللون الأسود اللذان يميّزانه ب حرق أغصان، ويعلقون التبغ بأوراقه بسقوف أكواخهم، وهذه الأوراق تتعطر وتحمر بالدخان ” . والمؤلف نفسه يعلمنا أن هذا التبغ تم بيعه بعد ذلك في أسواق اسطنبول ومصر (” ميشو وبوجولا : مراسلات الشرق Michaud et Peaujolat: “Correspondence d’Orient” ص 438 إلى 450 ).
يذكر كتاب عن سوريا يعود إلى منتصف القرن التاسع عشر: ( جول دافيد : سوريا الحديثة Jules David: “Syrie moderne ) أن تبغ اللاذقية كان متفوقًا لدرجة أنه كان يُخزّن جزء منه للاستهلاك في اسطنبول.
تقدم لنا مخطوطة الياس صالح المذكورة أعلاه، عن زراعة وتجارة التبغ، التفاصيل التالية، في عام 1873:
“أهم إنتاج في اللاذقية ، التبغ ، وهو صنفان: ” الجبلي “و” الجَدَر “، والجبلي هو الذي يتم تدخينه، ويتحول إلى اللون الأسود اللمّاع ، ذو الرائحة الطيبة، وهي خصائص يكتسبها من دخان الحطب الذي يشعل تحته ويسمى “عذرا” من فصيلة البلوط .. (النص كما ورد في المخطوط : واهمها التبغ وهو جنسان جبلي وجدار فلجبلي هو ما يعالج بالتدخين فيكتسب اسودادا مع لمعان ورائحة عطرة يستفيدها من دخان الحطب الذي يوقد تحته المسمى عذرا وهو من طائفة البلوط ) .
في القرن الماضي احتكرت شركة خاصة تجارة التبغ. وكان يتم تجميع كل الإنتاج في “خان” بالميناء وأطلق عليه اسم ” خان الدخان ” لأنه في ذلك الوقت أقامت الشركة مركزها هناك. كان التبغ يجمع ، تحت إشراف مفتشين ووكلاء وموظفين يقدمون تقاريرهم إلى الشركة. التزمت الشركة أمام الحكومة بتأمين الضرائب المفروضة على سكان الجبال مقابل احتكار الشركة تجارة التبغ ، كانت الحكومة تساعدها في احتكار التبغ في مستودعاتها وذلك “بمنع أي شخص من الشراء الا من الشركة، أي جزء من المحصول .
كانت سلطات اسطنبول تعرف أسماء “المساهمين في الشركة”. وكانت ترسل إليهم جميعا كل عام قلادة تحمل اسمهم مطرزاً بالفضة. بموجب هذه الاتفاقية، كانت الشركة تشتري التبغ بالأسعار التي تناسبها وبتكلفة زهيدة. في بداية هذا القرن (القرن التاسع عشر) تم حل الشركة وإلغاء امتيازها. يمكن لكل تاجر أن يتاجربالتبغ بحرية ، لكن أسعار كل الاصناف كانت واحدة لجميع التجار.و مع اقتراب موسم جني المحصول، كان ممثلو التجار يذهبون إلى الجبل ويحددون أسعار التبغ لعارضي الانتاج . في أغلب الأحيان ، كانت الصفقات تستند إلى هبة نقدية فورية ليصار إلى تخفيض الأسعار. وعادة ما كان تجار الجبلي يقدمون أموالا أو بضائع إلى المزارعين ، يضيفون مبلغًا مقطوعًا بنسبة 25٪ ، حتى وإن تم تقديم السلف قبل شهرين فقط من موعد جني المحصول. هذا بالإضافة إلى ما كانوا يكسبونه من البضاعة والذي لا يقل عن 10٪ ، وما يكسبوه من التبغ نفسه. من خلال هذه العمليات ، حقق التجار أرباحًا كبيرة جدًا … “
ويخبرنا الياس صالح كذلك أن تجارة التبغ في اللاذقية حققت أرباحًا كبيرة بين عامي 1832 و 1867 ، وانخفضت منذ ذلك التاريخ بسبب الضرائب الجمركية الباهظة التي فرضتها الحكومة العثمانية. تشير إحصائيات الحكومة العثمانية لعام 1872 إلى الأرقام التالية عن تصدير التبغ عبر ميناء اللاذقية. (لا نعرف سعر ليرة الذهب التركية مقابل القرش في ذلك الوقت. لنقل ، للعلم ، أنه في بداية الحرب العالمية الأولى ، كانت ليرة الذهب التركية تساوي 158 قرشًا.
بلد المقصد اوقية قروش السعر لكل اوقية
مصر 309.200 1.546.000 5 Piastres
انكترا 132.000 660.000 5 Piastres
النمسا 2.000 14.000 5 Piastres
فرنسا 1.300 6.500 5 Piastres
لا يبدو أن التراجع في تجارة التبغ الذي ذكره الياس صالح قد استمر طويلاً. ونشهد هذه التجارة تظهر مرة أخرى في نهاية القرن التاسع عشر. وهكذا ، في عام 1875 ، كتب الدكتور لورتيه Lortet : “ينتج السهل بوفرة الزيتون والنبيذ والقطن والحرير وخاصة تبغ اللاذقية الشهير والذي اشتهر في جميع أنحاء العالم” (“سوريا اليوم La Syrie d’aujourd’hui ” ص 43- 48). ونقرأ في : ( الجغرافيا الكونية الجديدة Nouvelle Géographie Universelle جنات منعزلة Elisée Reclus المجلد التاسع ، ص 769 ) : ” تمارس اللاذقية تجارة ذات اهمية من التبغ القوي الذي ينتجه الريف المحيط “.
هذا، نوعا ما كل ما نعرفه اليوم عن تجارة التبغ في منطقة اللاذقية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
خلال النصف الأول من القرن العشرين ، استمر التبغ المدخن في لعب دور كبير في الزراعة والتجارة في منطقتنا. ومع ذلك ، نظرًا لأن التدخين، باستخدام أغصان الأشجار ، يسبب أضراراً جسيمة في الثروة الحراجية للبلاد ، فقد قررت الحكومة حظر تدخين التبغ. وبالفعل ، صدر قرار من وزارة المالية بتاريخ 5 تشرين الثاني 1955 بوضع حداً لتحضير تبغ اللاذقية. منذ ذلك الحين ، اصبحت منطقتنا تنتج التبغ الغير مخصص للتدخين. أدت التجارب المختلفة التي أجرتها ادارة حصر التبغ إلى تحسين أنواع التبغ التي تنتجها تربتنا بشكل كبير ، وهذا سيسمح لها في المستقبل القريب باستبدال تبغ اللاذقية في السوق العالمية(1).
(1) جبرائيل سعادة، تعريب : فؤاد نعمة.
انظر:
قانون إعفاء الدخان المنتج في الإقليم الشمالي والمورد إلى الإقليم الجنوبي من الرسوم
قرار تحديد أسعار التبغ والدخان المحلي في سورية 1985