مختارات من الكتب
نيقولاس فان دام : الدعاية الطائفية ضد العلويين
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا (20)
فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995.
الفصل الرابع: تصفية الضباط الدروز ككل منفصلة داخل القوات المسلحة السورية
20- الدعاية الطائفية ضد العلويين
في الثالث عشر من أيلول عام 1966م، عقد سليم حاطوم مؤتمراً صحفياً في عمان وسرد روايته لما حدث في السويداء(1)، وصرح بأن “الوضع في سوريا مهدد بوقوع حرب أهلية نتيجة لتنمية الروح الطائفية والعشائرية التي يحكم من خلالها اللواء صلاح جديدواللواء حافظ الأسد والفئات الموجودة حولهما(2)“، وأضاف حاطوم قائلاً:
“ان الروح الطائفية تنتشر بشكل فاضح في سوريا وخاصة في الجيش سواء بتعيين الضباط وحتى المجندين وان الفئة الحاكمة تعمد إلى تصفية الضباط والفئات المناهضة لها وتحل مكانهم من اتباعها في مختلف المناصب، فقد بلغت نسبة العلويين في الجيش خمسة مقابل واحد من جميع الطوائف الأخرى”(3).
في مقابلة مع سليم حاطوم وأبو عسلي مع صحيفة النهار في الرابع عشر من أيلول 1966م، صرح سليم حاطوم بأنهم فروا إلى الأردن من أجل أن يناضلوا بأسلوب آخر أو بطريقة أخرى لإنقاذ الجيش وإبعاد الروح الطائفية التي سيطرت عليه(4)، ومضى قائلاً:
“إذا ما سئل عسكري سورية عن ضباطه الأحرار سيكون جوابه أنهم سرحوا وشردوا، ولم يبق سوى الضباط العلويين. ان الضباط العلويين متمسكون بعشيرتهم وليس بعسكريتهم وهمهم حماية صلاح جديد، وحافظ الأسد. ان الاعقتالات الأخيرة شملت مئات الضباط من جميع الفئات إلا العلويين”(5).
إذن، فاتهامات حاطوم الموجهة لحافظ الأسد وصلاح جديد والإيحاء بأن هؤلاء القادة البعثيين العلويين مذنبون، لقيامهم بتطبيق سياسة طائفية في الجيش واعتقال الضباط غير العلويين فقط، لم يكن لها ما يبررها. فلم يكن بالإمكان إلقاء اللوم مباشرة على جديد والأسد رغم احتمال كونهما السبب غير المباشر لعدم قبول العلويين من حيث المبدأ في التنظيم العسكري للقيادة القومية المخلوعة.
وأضاف طلال أبو عسلي لملاحظات حاطوم أن وضع الجيش السوري دقيق جداً وخطر،
“إذ ان جميع أبناء الوطن هم ضد كل ما هو علوي، وهذا الإنقسام قائم في الجيش لدرجة الاقتتال في أية لحظة، وان هذا سيكون رداً طبيعياً على لتكتل العلوي المنتحل صفة الحزب.
أن التسلط العلوي شمل كل المستويات لدرجة أنك ترى الأمرأة العلوية تتصرف وكأنها في السلطة، وفي كل المنازل التي يسكنها العلويون يرى جيرانهم بوضوح تسلطهم باسم السلطة وباسم الحزب وكل علوي من كبير أو صغير يعرف ماذا سيحدث من تطورات ومن تنقلات ومن اعتقالات قبل أن يعرف بعض كبار المسؤولين(6).
وأخيراً روى أبو عسلي انه” عندما تم اعتقال الضباط في الجبهة” (الذين كانوا متورطين في المؤامرة ضد القيادة القطرية)، كانت النساء العلويات يزغردن ويهللن على مسامع نساء الضباط المعتقلين وهذه صورة بسيطة عن الجو في البلد(7).
وبعد مضي اسبوعين أصدر سليم حاطوم تصريحاً في الثامن والعشرين من أيلول 1966م، شمل وفقاً لما ذكرته جريدة الحياة اتهاماً بأن المجموعة الحاكمة في دمشق عقدت العزم على تنفيذ خطة طائفية بغية إقامة نظام انتهازي يحمل شعار “دولة علوية ذات رسالة خالدة” يلمع فيها العميد صلاح جديد ونور الأنوار إبراهيم ماخوس(8).
ومن الواضح أن شعار “دولة علوية ذات رسالة خالدة”تلاعب بألفاظ الشعار البعثي “أمة عربية ذات رسالة خالدة”، أما نور الأنوار والعميد فهما مصطلحان ومرتبتان دينيتان علويتان.
وبمثل هذه التصريحات حاول حاطوم وأتباعه زيادة التوتر الطائفي بين المواطنين السوريين وبين صفوف الجيش السوري، جاعلين حافظ الأسد وصلاح جديد والقادة العلويين الآخرين موضع اشتباه في نظر غير العلويين، بهدف تقويض مراكز سلطتهم(9).
(1) فلسطين، القدس، 14 أيلول 1966/ الدفاع، القدس 14 أيلول 1966م.
(2) المصدر السابق.
(3) المصدر السابق، لم تكن تخفى ملاحظات حاطوم في عمان حول الجو الطائفي داخل القوات المسلحة السورية عن أعضاء حزب البعث بالقيادة القطرية السورية، بل أعيد نشرها في جريدة الحزب الداخلية الشهرية المناضل، العدد 9، منتصف أيلول 1966م، ص5، وإن كان بشكل مخفف للغاية.
(4) النهار، 15 أيلول 1966.
(5) المصدر السابق.
(6) المصدر السابق.
(7) المصدر السابق.
(8) الحياة 29 أيلول 1966م، كان إبراهيم ماخوس (علوي) في ذلك الحين وزير الخارجية.
(9) تشابه تلميحات حاطوم إلى حد كبير الاتهامات والتلميحات الواردة في التصريح (الكاذب) الذي أذيع في سوريا في أوائل عام 1969م، من قبل معارضي نظام البعث الذين كانوا في السلطة آنذاك. ففي هذا التصريح يدعو شيخ علوي بارز (عبد الرحمن الخير) العلويين السوريين لمقاومة ما يسمى بسوء استخدام صلاح جديد للديانة العلوية من أجل أغراض سياسية بحتى، كما اتهم هذا التصريح جديد بسعيه وراء إقامة دولة علوية. وقد نُشر هذا التصريح في بادئ الأمر بجريدة الحياة اللبنانية المحافظة المعارضة للبعث في التاسع عشر من أيار 1969م، ثم أعيد طبعه في كتاب رئيس الوزراء الأردني الأسبق سعد جمعة بعنوان مجتمع الكراهية (بيروت 1971)، صـ 62-75. قارن فؤاد الأطرش: الدروز مؤامرات وتاريخ وحقائق، صـ 344-351. وقد يكون هذا التصريح قد تم توزيعه بمعرفة معارضي نظام البعث السوري بدوافع مشابهة لتلك الخاصة بحاطوم: إثارة القلاقل والتوتر الطائفي. للإطلاع على مزيد من الإتهامات الدعائية ضد جديد ورغبته في إقامة دولة علوية في سوريا انظر: الحوادث، 16 آب 1968، وسامي الجندي، كسرة خبز (بيروت 1969)، صـ 718 وانظر أيضاً الفصل الثاني، حاشية 58، والفصل الخامس.
اقرأ:
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الأول :
نيقولاس فان دام (1): العوامل التي ساهمت في الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية في سورية
نيقولاس فان دام (2): الإقليمية في سوريا خلال فترة الاستقلال
نيقولاس فان دام (3): الأقليات الدينية المتماسكة .. العلويون
نيقولاس فان دام (4): الأقليات الدينية المتماسكة .. الدروز والإسماعيليون
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الثاني:
نيقولاس فان دام (5): التداخل الطائفي والإقليمي والعشائري والإجتماعي الإقتصادي
نيقولاس فان دام (6): التمثيل القوي لأعضاء الأقليات في حزب البعث
نيقولاس فان دام: (7) الحواجز الإجتماعية التقليدية أمام التوسع الطبيعي لحزب البعث
نيقولاس فان دام: (8) الشقاق الحزبي الإنصرافي داخل جهاز حزب البعث المدني
نيقولاس فان دام (9): انتخابات حزب البعث المحلية عام 1965
نيقولاس فان دام (10) : أعضاء الأقليات في القوات المسلحة السورية قبل عام 1963
نيقولاس فان دام (11): الاحتكار البعثي للسلطة في سورية 1963
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الثالث:
نيقولاس فان دام (12): التكتل الطائفي والإقليمي والعشائري في النخبة العسكرية البعثية
نيقولاس فان دام (13): التمييز الطائفي ضد السنيين في القوات المسلحة السورية
نيقولاس فان دام (14) : فشل سياسة الطائفية العلنية كتكتيك.. إبعاد محمد عمران
نيقولاس فان دام (15) : الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1965
نيقولاس فان دام (16) : الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1966
نيقولاس فان دام (17) : التنظيم السري للقيادة القومية المخلوعة عام 1966
الفصل الرابع: تصفية الضباط الدروز ككل منفصلة داخل القوات المسلحة السورية
نيقولاس فان دام (18) : تنظيم سليم حاطوم السري
نيقولاس فان دام (19) : الاستقطاب الطائفي العلوي – الدرزي وإنقلاب سليم حاطوم
