مقالات
سامر الموسى: ذكرى اغتيال انطون سعادة 8 تموز1949
مساء التاسع من حزيران 1949 جرت اصطدامات واسعة في الجميزة بين أنصار السوريين القوميين وحزب الكتائب اللبناني الذي قام بتدمير مقر الحزب القومي وحرق مكاتبه ووثائقه ومطبعة جريدته واعقب ذلك حملة أمنية واسعة شنتها حكومة رياض الصلح على الحزب مما أدى إلى لجوء سعادة إلى صديقه حسني الزعيم في سورية حيث اقام في فندق الشرق لكن حسني الزعيم(اغتيل لاحقا ) نتيجة علاقاته الإقليمية ونصائح رئيس الوزراء محسن البرازي (إغتيل لاحقا ) سلم انطون سعاده الى السلطات اللبنانية ، في السادس من تموز ليلاً مشترطاً ان يقتل في الطريق الى بيروت ، وإلا تجري محاكمته . وكان مندوباً الحكومة نور الدين الرفاعي مدير قوى الأمن الداخلي والمير فريد شهاب مدير الأمن العام.
يروي الباحثون ان سعاده دخل القصر الجمهوري وحده ، لأن مرافقه صبحي بركات سيق الى السجن . وعندما قابله حسني الزعيم قال له : هؤلاء جماعتك ، شوف شغلك معهم وهكذا نشرت الصحف فما كان من سعاده إلا ان رمى المسدس الذي أهداه إياه حسني الزعيم عربوناً لصداقته وإثباتاً للقيام بتنفيذ تعهداته ، في وجه حسني الزعيم ، واتجه صوب نور الدين الرفاعي وفريد شهاب ، اللذين اصطحباه الى سيارة حكومية لبنانية وأجلساه بينهما ، بينما كان إلى جانب السائق جندي مسلح.
المهم والتاريخي ، أن سعاده أودع ثكنة الدرك اللبناني قرب مستشفى أوتيل ديو وجاء كل من بشارة الخوري ورياض الصلح (اغتيل لاحقا )لمشاهدته ليطمئنا الى أنه في قبضتهما .
عين القاضي أديب عفيش محققاً لاستجوابه وكان مدعي عام التمييز يوسف شربل يمثل الحق العام ، وكان يحضر جلسات التحقيق المحامي جان جلخ ، الذي ذكر أن يوسف شربل(قتل لاحقا ) سأل انطون سعاده ساخراً : يا انطون ، تعرف مصيرك فقل لنا ماذا تشعر الآن ، أجاب سعاده بهدوئه ورصانته وكبريائه : “اعرف أنني سأموت لكن حزبي باق” .
نشرت الصحف – وتبين من ملف الدعوى أن التحقيق والمحاكمة واجتماع بعض أعضاء لجنة العفو في القصر الجمهوري واخذ توقيع المير مجيد أرسلان وزير الدفاع ورياض الصلح وبشارة الخوري ، وتنفيذ الحكم على جناح بيروت، كل هذه المعاملات ، تمت في عشرين ساعة . وقد ذكر النائب نعيم مغبغب في مقالة نشرها في مجلة الجمهور بالتفصيل كل المخالفات التي ارتكبها التحقيق والمحكمة ولجنة العفو ، وبيّن أنها تشكل فضائح لا مخالفات فحسب.
وقد جيء بالكاهن برباري ليعرفه ويناوله القربان المقدس في تلك الساعة المبكرة من صباح الثامن من تموز . وطلب الكاهن اليه أن يعترف قيبل اعدامه، فأجاب: ليس لي من خطيئة أرجو العفو من أجلها، أنا لم أسرق، لم أدجل، لم أشهد بالزور، لم أقتل، لم أخدع، لم أسبب تعاسة لأحد.
طلب سعاده مقابلة زوجته وبناته فرفض طلبه . سأله القاضي فؤاد بولس الذي كان رئيس محكمة بيروت ما هي وصيته الأخيرة ، فأجاب : أن لي قطعة ارض في ضهور الشوير فيها نزل غير مكتمل تسجل على اسم زوجتي وبناتي بالتساوي ، كما أني أملك أربعماية ليرة لبنانية توزع على الأربع بالتساوي .
في ساحة الإعدام ، قال سعاده لجلاديه ، شكراً ، ثم أطلق جملته الشهيرة عندما قال لهم : دعوى عيني مفتوحتين لأرى وانطلق الرصاص غزيرا مخترقا جسد سعادة
ان الشجاعة الفائقة التي قابل بها سعادة رصاص الإعدام غير مهتاب ولا خائف تدل على ايمان عميق بعقيدته وتجعله يستحق إحترام القريب والبعيد.