مقالات
مَنْ يعيد لصلاح الدين الأيوبي إكليله الجنائزي؟
لورانس العرب سرق هدية الملك غليوم والملك فيصل شاهد!
محمد سمير طحان- صحيفة تشرين*
طرح الباحث في تاريخ دمشق عماد الأرمشي عبر عدة منشورات مؤخراً على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، قضية سرقة عميل الاستخبارات البريطانية توماس ادوارد لورانس الشهير باسم لورانس العرب للإكليل الجنائزي البرونزي المطلي بالذهب الذي أهداه الإمبراطور الألماني ڤيلهلم الثاني المعروف بغليوم الثاني لضريح صلاح الدين أثناء زيارته دمشق عام 1315هـ الموافق لعام 1898م.
لمعرفة تفاصيل الموضوع تواصلنا مع الباحث الأرمشي المغترب في الإمارات منذ ثمانينيات القرن الماضي فقال: عدة مراجع تاريخية وثّقت هذه الحادثة حيث ذكرت أنه عند وصول توماس إدوارد لورانس رجل المخابرات البريطانية والشهير بلورانس العرب في مطلع تشرين الأول عام 1918م إلى المدرسة العزيزية ومدفن صلاح الدين، دخل بحذائه من دون خلعه، بينما دخل الأمير فيصل بن الشريف حسين فخلع حذاءه، ونظر إلى الضريح، وإلى الإكليل، ومد يده عليه ورفعه، وحاول قراءة ما جاء فيه، فلم يتمكن من فهم ما ورد باللغة العثمانية على يمين ويسار الإكليل، فأعطاه لمرافقه بحجة أنه من الغنائم الحربية وأخذه إلى بلاده بحضور الأمير فيصل بن الشريف حسين جهاراً عياناً في وضح النهار، وأهداه إلى المتحف الإمبراطوري الحربي في لندن وقد علّق ساخراً «إن صلاح الدين لم يعد بحاجة إليه».
وتابع الأرمشي: إن المخزي في الأمر أن الأمير فيصل بن الشريف حسين والذي لم يك في وقتها صار ملكاً لم يتفوه ببنت شفه، وضحك في وجه لورانس (ضحكة العبد لسيده).. ولو تمكن لورانس من سرقة القبور، وجدران الضريح الموشح بالقاشاني الجميل لفعل.
وأكد الأرمشي ضرورة العمل لإعادة هذا الإكليل من المتحف البريطاني.. وفي وصف هذا الإكليل الجنائزي كتب الأرمشي في منشور على موقع «فيس بوك» جاء فيه: الإكليل الجنائزي لصلاح الدين الأيوبي مؤلف من قوسين ومزخرف بأغصان الزيتون ومصنوع من البرونز الخالص المطلي بالذهب، ويبلغ قطره 74 سم ومتوج بالتاج الإمبراطوري ومكتوب تحته بالأحرف اللاتينية (دبليو الثاني) وهي اختصار لاسم الإمبراطور (ڤيلهلم الثاني) ومعلقة تحته الميداليات الألمانية الرفيعة المستوى التي تُهدى عادة للملوك والأباطرة، وفي نهايته الصليب الألماني الشهير المروس الأطراف، وفي منتصف أسفل الإكليل سرج مختوم ومنقوش عليه عبارة (إن الله يحب المحسنين).
وهذا الإكليل مقدم من قيصر ألمانيا ڤيلهلم الثاني (غليوم الثاني) بعد أن حُفرت على أطرافه نقوش بالخطوط العربية وباللغة العثمانية ما معناه: «هذا التاج مُهدى من صاحب الجلالة المعظم إمبراطور ألمانيا ڤيلهلم الثاني ليبقى ذكرى تواجده الشريف وزيارته ضريح صلاح الدين الأيوبي سنة 1315 هجرية الموافق لسنة 1898 ميلادية».
وتم إرسال الإكليل بوساطة الإمبراطورة مع لجنة مخصوصة برئاسة (عزتلو صادق بك العظم)، وبقي هذا الإكليل البديع، مدة (20 عاماً) من عام 1898م وحتى 1918 مصموداً بين الضريحين (الخشبي الأصلي) وبين الضريح (المرمر ) الخالي من الرفاة؛ (بين الضريحين)، تحت مصباح الفضة المغلف بطوق زجاجي، وموشحاً بالعلم الفيصلي، لحين سرقته من قبل المدعو «لورانس العرب».
كما أشار الأرمشي في منشور آخر الى الأخطاء التي تحفل بها اللوحة النحاسية التعريفية الموجودة في ضريح صلاح الدين الأيوبي حالياً جاء فيه: صورة حديثة تبين اللوحة التعريفية للضريح الرخامي للسلطان صلاح الدين الأيوبي وكلها أخطاء!.
الخطأ الأول: أن القبر الرخامي الفارغ ليس هدية الملك الألماني غليوم الثاني، بل هو هدية من السلطان العثماني عبد الحميد الثاني أيام ولاية الوالي (ضياء الدين باشا عام 1876 م). وهذا مكتوب باللغة العثمانية على لوحة رخامية مثبتة على القبر الرخامي.
الخطأ الثاني: أن الإمبراطور (ڤيلهلم الثاني) لم يكن ملكاً، علاوة على أن ألمانيا بذاك الوقت لم تكن مملكة، ولم يكن على رأس حكمها ملك، بل كانت امبراطورية، وكان ڤيلهلم الثاني (غليوم الثاني ) قيصر ألمانيا وملك بروسيا.
الخطأ الثالث: أن زيارة الإمبراطور الألماني غليوم الثاني دمشق كانت في عام 1898 للميلاد في عهد السلطان العثماني عبد الحميد خان الثاني، وليست كما وردت خطأً باللوحة 1878 باللغتين العربية والإنكليزية.
وعن دليله عما أورده من معلومات عن مصدر الضريح الرخامي قال الأرمشي: إن هناك الكثير من الأدلة من المراجع التاريخية ولعل أهم الأدلة هي اللوحة الرخامية المثبتة على القبر، مع وجود صورة قديمة تظهر الضريح الرخامي والمصنوع من المرمر، وبجانب الضريح الخشبي والمصنوع من خشب الأبانوس (الحاوي على رفات السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي) قبل زيارة الإمبراطور الألماني غليوم الثاني دمشق عام 1898 بحوالي (19 سنة).
وأضاف الأرمشي: إن الصورة بعدسة المصور الفرنسي الشهير (فيلكس بونفيس) عام 1879 والظاهر توقيعه في أسفل يمين الصورة (Bonfils) والملتقطة داخل غرفة الضريح، وهي من إحدى الصور الضوئية النادرة التي التقطها بونفيس قبل مغادرته دمشق عام 1880 إلى مدينته (أله) في فرنسا حين أسس استوديو إلى أن توفي عام 1885.. يشار إلى أن الباحث الأرمشي من مواليد دمشق عام 1951 عاش طفولته في حي سوق ساروجا حارة النوفرة ونال إجازة في التاريخ عام 1977 من جامعة دمشق وسافر إلى أوروبا ثم انتقل عام 1982 إلى الإمارات وعمل في مجال النفط وإلى الآن.. دخل عام 2003 مجال البحث والتوثيق التاريخي المصور لمدينة دمشق ومازال مستمراً في هذا المشروع ويمتلك اليوم أرشيفاً كبيراً ونادراً من الصور والمعلومات عن دمشق لم يظهر منها سوى جزء يسير وعبر وسائل التواصل الاجتماعي فقط.
*صحيفة تشرين العدد 13047 تاريخ 2-9-2017